ولما كان من ذكر من الوعد بالمغفرة والجنة عظيماً لا سيما لمن آمن ولو كان إيمانه على أعلى الدرجات ومع التجرد من جميع الأعمال، عظمه بقوله رداً على من يوجب عليه سبحانه شيئاً من ثواب أو عقاب :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم جداً ﴿فضل الله﴾ أي الملك الذي لا كفوء له فلا اعتراض عليه ﴿يؤتيه من يشاء﴾ ولعل التعبير بالمضارع للإشارة إلى هذا خاص بهذه الأمة التي هي أقل عملاً وأكثر أجراً، فإذا حسدهم أهل الكتاب قال تعالى : هل ظلمتكم من أمركم شيئاً، فإذا قالوا : لا، لأن المصروف من الأجر لجميع الطوائف على حسب الشرط، قال : ذلك فضلي أوتيه من أشاء.
﴿والله﴾ أي والحال أن الملك المختص بجميع صفات الكمال فله الأمر كله ﴿ذو الفضل العظيم *﴾ أي الذي جل عن أن يحيط بوصفه العقول.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٥٤
ولما كانت الدنيا مانعة عن العكوف إلى الآخرة بلذاتها وآلائها، وكانت كما أنها منزل رخاء هي دار بلاء، وكان قد اقتصر سبحانه في الآية السالفة على الأول لأن السياق للإنفاق والترغيب في معالي الأخلاق وجعل المسابقة إلى السعادة نتيجة الزهد فيها، تحركت النفس إلى اسؤال عما يعوق عن الخير من الضرب بسياط البلاء فقال مسلياً عنه لأن النفوس أشد تأثراً بالمكاره وأسرع انفعالاً بالمقارع ومحققاً ومغرياً بالإعلام بأنه لم يكن فيها خير ولا شر إلا بقضاء حتم في الأزل وقدر أحكم ووجب حين لم يكن غيره شيء عز وجل، وذكر فعل المؤنث الجائز التذكير لكون التأنيث غير حقيقي إشارة إلى عظم وقع الشر :﴿ما أصاب﴾ وأكد النفي فقال :﴿من مصيبة﴾ وهي في الأصل لكل آت من خير أو شر إلا أن العرف خصها بالشر، وعم الساكن والمتحرك
٤٥٥


الصفحة التالية
Icon