ولما كان فهم الكتاب ربما أشكل فإنه يحتاج إلى ذهن صقيل وفكر طويل، وصبر كبير وعلم كثير - قال الرازي : وبهذا قيل : لولا الكتاب لأصبح العقل حائراً ولولا العقل لم ينتفع بالكتاب، عقبه بما يشترك في معرفته الكبير والصغير، والجاهل والنحرير، وهو أقرب الأِياء إلى الكتاب في العلم بمطابقة الواقع لما يرد فقال :﴿والميزان﴾ أي العدل والحكمة، ولعله كل ما يقع به التقدير حساً أو معنى، وتعقيبه به إشارة إلى أن عدم زيغه لعدم حظ ونحوه، فمن حكم الكتاب خالياً عن حظ نفس وصل إلى المقصود ﴿ليقوم الناس﴾ أي الذين فيهم قابلية التحرك إلى المعالي كلهم ﴿بالقسط﴾ أي العدل الذي لا
٤٥٨
مزيد عليه لانتظام جميع أحوالهم، هذا لمن أذعن للبينات لذات من أقامها أو للرغبة فيها عنده.
ولما كان الإعراض بعد الإبلاغ في الإيضاح موجباً للرد عن الفساد بأنواع الجهاد، قال مهدداً وممتناً ترغيباً وترهيباً معبراً عن الخلق بالإنزال تشريفاً وتعظيماً :﴿وأنزلنا﴾ أي خلقنا خلقاً عظيماً بما لنا من القدرة ﴿الحديد﴾ أي المعروف على وجه من القوة والصلابة واللين والحدة لقبول التأثير يعد به كالبائن لما في الأرض، فلذلك سمي إيجاده إنزالاً، ولأن الأوامر بالإيجاد والإعدام تنزل من السماء على أيدي الملائكة لأن السماء محل الحوادث الكبار، والبدائع والأسرار، لأن الماء الذي هو أصله وأصل كل نام ينزل من السماء وتكون الأرض له بمنزلة الرحمن للنطفة.
ولما وقع التشوف إلى سبب إنزاله، قال :﴿ومنافع للناس﴾ بما يعمل منه من مرافقهم ومعاونهم لتقوم أحوالهم بذلك، قال البيضاوي : ما من صنعة إلا والحديد آلتها.


الصفحة التالية
Icon