ولما كان التقدير : ليعلم الله من يعصيه ويخذل أولياءه، بوضع بأسه في غير ما أمر به نصرة لشيطانه وهواه وافتنانه، عطف عليه قوله :﴿وليعلم الله﴾ أي الذي له جميع العظمة علم شهادة لأجل إقامة الحجة بما يليق بعقول الخلق فيكون الجزاء على العمل لا على العلم، وأوقع ضمير الدين عليه سبحانه تعظيماً له لأنه شارعه فقال :﴿من ينصره﴾ أي يقبل مجداً على الاستمرار على نصر دينه ﴿ورسله﴾ بالذب عنهم والدعاء إليهم، كاثناً ذلك النصر ﴿بالغيب﴾ من الوعد والوعيد، أي بسبب تصديق الناصر لما غاب عنه من ذلك، أو غائباً عن كل ما أوجب له النصرة، وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : ينصورنه ولا يبصرونه - انتهى.
فلم يدع سبحانه في هذه الآية لأحد عذراً بالرسل الذين هم الجنس مع تأييدهم بما ينفي عنهم اللبس، والكتاب العالي عن كلام الخلق، والعقل الذي عرف العدل، والسلاح الذي يرد أولي الجهل، كما قال ﷺ :"بعثت بين يدي الساعة بالسيف" فبيان الشرائع بالكتاب، وتقويم أبواب العدل بالميزان، وتنفيذ هذه المعاني بالسيف، فإن مصالح الدين من غير هيبة السلطان لا يمكن رعايتها، فالملك والدين توأمان، فالدين بلا ملك ضائع، والملك من غير دين باطل، والسلطان ظل الله في الأض، فظواهر الكتاب للعوام، ووزن معارفه لأهل الحقائق
٤٥٩
بالميزان، ومن خرج عن الطائفتين فله الحديد وهو السيف لأن تشويش الدين منه - نبه عليه الرازي.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٥٧
ولما كان طالب النصرة مظنة لتوهم الضعف، قال نافياً لذلك مؤكداً قطعاً لتعنت المتعنتين مظهراً للاسم الأعظم إشارة إلى أن من له جميع صفات الكمال لا يمكن أن تطرقه حاجة :﴿إن الله﴾ أي الذي له العظمة كلها.


الصفحة التالية
Icon