ولما كان مظهر العظمة متضياً لإشقاء من أريد إشقاؤه مع عدم المبالاة به، كائناً من كان، سواء اتصل بالأولياء أو الأعداء لئلا يأمن أحد فيقع في الخسران أو ييأس أحد فيلزم الهوان قال :﴿فمنهم﴾ أي ذرية هذين الصنفين ﴿مهتد﴾ هو بعين الرضا منا - وهو من لزم طريق الأصفياء واستمسك بعهدهم ولم يزغ أصلاً وإن كان من أولاد الأعداء.
ولما كان من زاغ بعد تذكيره بالكتب والرسل، كان مستحقاً للمبالغة في الذم ولو أنه واحد فكيف إذا كان كثيراً، نبه بتغيير السياق على ذلك وعلى أن الأغلب الضلال فقال :﴿وكثير منهم﴾ أي الذرية الموصوفين ﴿فاسقون *﴾ هم بعينه السخط وإن كانوا أولاد الأصفياء وهم من خالف الأولياء بمنابذة أو ابتداع أو زيغ عن سبيلهم بما لم ينهجوه من تفريظ وإفراط.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٦٠
ولما كان من مقاصد هذه السورة العظمى الإعلام بنسخ الشرائع كلها بشريعة هذا النبي الفاتح العام الرسالة لجميع الخلائق ﷺ، قال مشيراً إلى عظمة الإرسال والرسل بأداة التراخي :﴿ثم قفينا﴾ أي بما لنا من العظمة تقفية لها من العظمة ما يجل وصفه ﴿على آثارهم﴾ أي الأبوين المذكورين ومن مضى قبلهما من الرسل، ولا يعود الضمير على ﴿الذرية﴾ لأنها باقية مع الرسل وبعدهم ﴿برسلنا﴾ أي فأرسلناهم واحداً في أثر واحد بين ما لا يحصى من الخلق من الكفرة محروسين منهم في الأغلب بما تقتضيه العظمة، لا ننشئ آثار الأول منهم حتى نرسل الذي بعده في قفاه، فكل رسول بين يدي الذي بعده، والذين بعده في قفاه - فهو مقف له لأن الأول ذاهب إلى الله والثاني تابع له، فنبينا ﷺ أعرف الناس في هذا الوصف لأنه لا نبي بعده، ولهذا كان الوصف أحد أسمائه.


الصفحة التالية
Icon