ولما كان عيسى عليه السلام أعظم من جاء بعد موسى عليه السلام من بني إسرائيل فهو الناسخ لشرعيته والمؤيد به هذا النبي الخاتم ﷺ في تجديد دينه وتقرير شريعته، وكان الزهد والرأفة والرحمة في تابعيه في غاية الظهور مع أن ذلك لم يمنعهم من القسوة المنبه سابقاً على أن الموجب لها طول الأمد الناشئ عنها الإعراض عن الآيات الحاضرة معه والكتاب الباقي بعده، خصه بالذكر وأعاد العامل فقال :﴿وقفينا﴾ أي أتبعنا بما لنا من العظمة على آثارهم قبل أن تدرس ﴿بعيسى ابن مريم﴾ وهو آخر من قبل النبي الخاتم عليهم الصلاة والسلام، فأمته أول الأمم بالأمر باتباعه ﷺ ﴿وآتيناه﴾ بما لنا من العظمة ﴿الإنجيل *﴾ كتاباً ضابطاً لما جاء به مقيماً لملته مبيناً للقيامة مبشراً بالنبي العربي موضحاً لأمره كثراً من ذكره ﴿وجعلنا﴾ لعزتنا ﴿في قلوب الذين اتبعوه﴾ أي بغاية جهدهم، فكانوا على مناهجه ﴿رأفة﴾ أي أشد رقة على من كان يتسبب إلى
٤٦١
الاتصال بهم ﴿ورحمة﴾ أي رقة وعطفاً من لم يكن له سبب في الصلة بهم كما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم رحماء بينهم حتى كانوا أذلة على المؤمنين مع أن قلوبهم في غاية الصلابة فهم أعزة على الكافرين، وترتيب الوصفين هكذا أدل دليل على أنهما لم يقصد بهما مراعاة الفواصل في ﴿رؤف رحيم﴾ كما قاله بعض المفسرين وتقدم في آخر براءة أن ذلك قول لا يحل التصويب إليه ولا التعويل عليه وإن قاله من قال ﴿ورهبانية﴾ أي أموراً حاملة على الرهبية والتزيي بزيها والعمل على حسبها مبالغة في العبادة والرياضة والانقطاع عن الناس.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٦٠


الصفحة التالية
Icon