ومثل هذه الرهبانية في أنها لا تأباها قواعد الدين ما يفهمه بعض العلماء من الكتاب والسنة فيتذكره، فيكون أخذنا له من الأصول التي نبه عليها لا منه، كما أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم كانوا يفعلون أشياء فإن قررهم النبي ﷺ كانت شرعاً لنا وكنا آخذين لها من تفسيره ﷺ لا منهم، فإن من ملكه الله رتبة الاجتهاد في شيء وأمكنه فيه من القواعد فأداه اجتهاده إلى أن هذا مندوب إليه مرغوب فيه مثلاً، كان ذلك بما يشهد له من قواعد الدين بمنزلة ما قاله الصحابة رضي الله عنهم فأقرهم النبي ﷺ، ولا فرق بين أن يقرره النبي ﷺ بنفسه أو بقواعد شريعته، ومهما كان مقرراً بقواعد شرعه كان عليه أمره، ومهما لم يكن مقرراً بها كان مما ليس عليه أمره فهو رد على قائله، فهذا فرق بين البدع الحسنة والبدع القبيحة - والله الموفق، وذكر ابن برجان تنزيل هذا الحديث الذي فيه " لتتبعن سسن من كان قبلكم " فذكر أن أصحاب عيسى عليه السلام عملوا بعده بالإنجيل حتى قام فيهم ملك بدل كتابهم، وشايعه على ذلك روم ويونان، فعضف أهل الإيمان، فاستذلوهم حتى هبروا إلى البراري، وعملوا الصوامع والبتدعوا الرهبانية، وكذلك كان في هذه لتصديق الحديث الشريف فإنه لما توفي رسول الله ﷺ تبعه خلفاؤه بإحسان، فلما مضت الخلافة الراشدة تراكمت الفتن كما أخبر رسول الله ﷺ واشتد البلاء على المتمسكين بصريح الإيمان، ورجم البيت العتيق بحجارة المنجنيق وهدم، وقتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما واستبيحت مدينة النبي ﷺ ثلاثة أيام، وقتل خيار من فيها فرأى المسلمون العزلة واجبة، فلزموا الزوايا والمساجد وابتنوا الروابط على سواحل البحر وأخذوا في الجهاد للعدو والنفوس، وعالجوا تصفية أخلاقهم ولزموا الفقر أخذاً من أحوال أهل الصفة، وتسموا بالصوفية وتكلموا على الورع


الصفحة التالية
Icon