ولما كان الظهار خاصاً بالعرب دون سائر الأمم، نبه على ذلك تهجيناً له عليهم وتقبيحاً لعادتهم فيه، تنبيهاً على أن اللائق بهم أن يكونوا أبعد الناس من هذا الكلام لأن الكذب لم يزل مستهجناً عندهم في الجاهلية، ثم ما زاده الإسلام إلا استهجاناً فقال :﴿منكم﴾ أي أيها العرب المسلمون الذين يستقبحون الكذب ما لا يستقبحه غيرهم وكذا من دان دينهم ﴿من نسائهم﴾ أي يحرمون نساءهم على أنفسهم تحريم الله عليهم ظهور أمهاتهم بأن يقول أحدهم لزوجته شيئاً من صرائحه مثل أنت عليّ كظهر أمي وكنايتاته كأنت أمي، وكل زوج صح طلاقه صح ظهاره من حر أو عبد مسلم أو ذمي دخل بالزوجة أو لا قادراً على الجماع أو عاجزاً، صغير كانت الزوجة أو كبيرة، عاقلة كانت أم مجنونة، سليمة كانت أو رتقاء، مسلمة كانت أو ذميمة، ولو كانت رجعية.
ولما كان وجه الشبه التحريم، وكان للتحريم رتبتان : عليا موصوفة بالتأبيد والاحترام، ودنيا خالية عن كل من الوصفين، وكان التقدير خبراً للمبتدأ : مخطئون في ذلك لأنه كذب، لأن التشبيه إن أسقطت أداته لم يكن حمله على الحقيقة ليكون من الرتبة العليا ولو على أدنى أحوالها من أنه طلاق لا رجعة فيه، كما كانوا يعتقدونه، وإن أثبتت ليكون من الدنيا لم يكن صحيحاً لأنه ممنوع منه لأن التشريع إنما هو لله، والله لم يكن يشرع ذلك، كان تعليل شقي التشبيه يفيد معنى الخبر بزيادة التعليل، حذف الخبر، واكتفى بالتعليل فقال معللاً له مهجناً للظهار الذي تعوده العرب من غير أن يشاركهم فيه أحد من الأمم :﴿ما هن﴾ أي نساؤهم ﴿أمهاتهم﴾ على تقدير إرادة أحدهم أعلى رتبتي التحريم، والحاصل أنهم لما كانوا يعتقدون أنه طلاق لا رجعة فيه جعلوا معتقدين أن المرأة أم لأن الحرمة المؤبدة من خصائص الأم فخوطبوا بذلك تقريعاً لهم لأنه أردع، وفي سورة الأحزاب ما يوضح هذا.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٨٠


الصفحة التالية
Icon