والحاصل أنه سبحانه لا يخفى عليه شيء من العالم وإن بلغ في دقته إلى ما لا ينقسم، وهو شاهد لذلك كله حفظاً وعلماً وإحاطة وحضوراً، وآية ذلك في خلقه أن جملة الجسم يحيا بالروح، فلا يبقى جزء منه إلا وهو محفوظ بالروح يحس بسبها وهو سبحانه لا يحجب علمه ولا شيئاً من صفاته حجاب، فقد صحت المعية وهو بحيث لا يحيويه المكان ولا يحصره العد، يقبض الملخوق ويبسطه، لا يصعد المخلوق ولا صفته ولا فعله ولا معنى من معانيه إلى صفة من صفاته، إنما له من المكان المكانة، ومن العلم العلا، ومن الأسماء والصفات مقتضاها - أشار إلى لك ابن برجان وقال : ومن تدبر ما قرأه وتفهم ما تعلمه أدرك من التحقيق ما نحن بسبيل تبيانه ما قدر له، ألا ترى إلى الجن أين مكانهم وإن كانوا موصوفين به ثم الملائكة أرفع قدراً ومكانة، بل إن الروح من جميع الجملة التي تحمله، به حييت وبه تدبيرها وبه قيامها بإن الله خالقه،
٤٩٠
قال عليه الصلاة والسلام في خطبته الكبرى وهي آخر خطبة خطبها أخرجها الحارث بن أبي أسامة : رقي المنبر وقال :" أيها الناس ادنو وأوسعوا لمن خلقكم " - ثلاث مرات، فدنا الناس وانضم بعضهم إلى بعض، التفتو علم يروا أحدا، فقال رجل منهم بعد الثالثة : لمن نوسع يا رسول الله أللملائكة ؟ فقال :" لا إنهم إذ كانوا معكم لم يكونوا بين أيديكم ولا من خلفكم ولكن عن أيمانكم وعن شمائلكم " وعلى ذلك فليسوا في مكان الأيمان هنا والشمائل بل في المكان من لك، فالله جل جلاله أعلى وأجل وأنزه مكانة وأكرم استواء - انتهى.


الصفحة التالية
Icon