ولما كان الإنسان نساءً ولا سيما إن تمادى به الزمان، قال عاطفاً على ما تقديره، فيضبط عليهم حركاتهم وسكناتهم من أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، ويحفظها على طول الزمان كما كان حافظاً لها قبل خلقها ثم أزل الأزل ﴿ثم ينبئهم﴾ أي يخبر أصحابه إخباراً عظيماً ﴿بما عملوا﴾ دقيقة وجليلة ﴿يوم القيامة﴾ الذي هو المراد العظيم، علله بما هو دليل على الشهادة فقال مؤكداً لما لهم من الإنكار قولاً أو فعلاً بالاشتراك الذي يلزم منه النقص ﴿إن الله﴾ أي الذي له الكمال كله.
ولما كان المقام للإبلاغ في إحاطة العلم، قدم الجار كما مضت الإشارة إليه غير مرة قال :﴿بكل شيء﴾ مما ذكر وغيره ﴿عليم *﴾ أي بالغ العلم فهو على كل شيء قدير، فهو على كل شيء شهيد، لأن نسبة ذاته الأقدس إلى الأشياء كلها على حد سواء لا فرق أصلاً بين شيء وآخر، قال القشيري : معية الحق سبحانه وإن كانت على العموم بالعلم والرؤية وعلى الخصوص بالفضل والنصرة، فلهذا الخطاب في قلوب أهل المعرفة أثر عظيم إلى أن ينتهي الأمر بهم إلى التأويل، فللوله والهيمان في خمار خمار هذا عين رغد.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٤٨٨
٤٩١
ولما كان هذا الدليل أيضاً تتعذر الإحاطة به، قال دالاًّ عليه بأمر جزئي واقع بعلم المحدث عنه حقيقة، فإن عاند بعده سقط عنه الكلام إلا بحد الحسام :﴿ألم تر﴾ أي تعلم علماً هو كالرؤية، ودل على سفول رتبه المرئي بإبعاده عن أعلى الناس قدراً بحرف الغاية فقال :﴿إلى الذين﴾ ولما كان العاقل من إذا زجر عن شيء انزجر حتى يتبين له أنه لا ضرر عليه في فعل ما زجر عنه، عبر بالبناء للمفعول فقال :﴿نهوا﴾ أي من ناه ما لا ينبغي للمنهي مخالفته حتى يعلم أنه مأمون الغائلة ﴿عن النجوى﴾ أي الإسرار لإحلال أنفسهم بذلك في محل التهمة بما لا يرضى من رسول الله ﷺ - كما قال أبو العلاء المعري :
والخل كالماء يبدي لي ضمائره مع الصفاء ويخفيها من الكدر


الصفحة التالية
Icon