ثم يقولون في أنفسهم : لولا يعذبنا الله بما نقول، فنزلت.
وروى أبو يعلى عن أنس رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال عند ذلك :"إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا " وعليك ".
ولما نهى عن النجوى وذم على فعلها وتوعد عليه فكان ذلك موضع أن يظن أن النهي عام لكل نجوى وإن كانت بالخير، استأنف قوله منادياً بالأداة التي لا يكون ما بعدها له وقع عظيم، معبراً بأول أسنان الإيمان باقتضاء الحال له :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾
٤٩٣
أي ادعوا أنهم أوجدوا هذه الحقيقة ﴿إذا تناجيتم﴾ أي قلع كل منكم الكلام من نفسه فرفعه وكشفه لصاحبه سراً ﴿فلا تتناجوا﴾ أي توجدوا هذه الحقيقة ظاهرة كتناجي المنافقين ﴿بالإثم﴾ أي الذنب وكل فعل يكتب بسببه عقوبة.
ولما عم خص فقال :﴿والعدوان﴾ أي الذي هو العدو الشديد بما يؤذي وإن كان العادي يظن أنه لا يكتب عليه به إثم.
ولما كان السياق لإجلال النبي ﷺ مع أنه لا تعرف حقيقة الإثم إلا منه قال تعالى :﴿ومعصيت الرسول﴾ أي الكامل في الرسلية فإن ذلك يشوش فكره فلا يدعه يبلغ رسالات ربه وهو منشرح الصدر طيب النفس.
ولما علم أن نهيهم إنما هو عن شر يفسد ذات البين هو ما لا يريدون إطلاع النبي صلى الله عليه، صرح بقوله حثاً على إصلاح ذات البين لأن خير الأمور ما عاد بإصلاحها، وشر الأمور ما عاد بإفسادها :﴿وتناجوا بالبر﴾ أي بالخير الواسع الذي فيه حسن التربية، ولما كان ذلك قد يعمل طبعاً، حث على القصد الصالح بقوله :﴿والتقوى﴾ وهي ما يكون في نفسه ظاهراً أنه يكون سترة تقي من عذاب الله بأن يكون مرضياً لله ولرسوله.


الصفحة التالية
Icon