ولما دلت هذه الجملة على سوء أعمالهم ومداومتهم عليها، أكد ذلك بقوله :﴿اتخذوا﴾ أي كلفوا فطرهم الأولى المستقيمة لما لهم من العراقة في اعوجاج الطبع والمحبة للأذى ﴿إيمانهم﴾ الكاذبة التي لا تهون على من في قلبه مثقال حبة من خردل
٥٠٢
من إيمان ﴿جنة﴾ أي وقاية وتسرة من كل ما يفضحهم من النفاق كائناً ما كان، أو يوجب قتلهم بما يقع منهم من الكفران.
ولما كان علمه بأنه يرضى منهم بالظاهر ويصدق إيمانهم هو الذي جرأهم على العظائم، فكانوا يرغبون الناس في النفاق بعاجل الشهوات وثبطونهم عن الدين بما فيه من عاجل الكلف وآجل الثواب، سبب عن قبول إيمانهم قوله مظهراً بزيادة التوبيخ لهم :﴿فصدوا﴾ أي كان قبول ذلك منهم وتأخير عقابهم سبباً لإيقاهم الصد ﴿عن سبيل الله﴾ أي شرع الملك الأعلى الذي هو الطريق إلى رضوانه الذي هو سبب الفوز الأعظم، فإنهم كانوا يثبطون من لقوا عن الدخول في الإسلام ويوهون أمره ويحقرونه، ومن رآهم قد خلصوا من المكاره بأيمانهم الحانثة وردت عليهم الأرزاق استدراجاً وحصلت لهم الرفعة عند الناس بما يرضونهم من أقوالهم المؤكدة بالإيمان غره ذلك فاتبع سنتهم في أقوالهم وأفعالهم، وسنج على منوالهم، غروراً بظاهر أمرهم، معرضاً عما توعدهم الله سبحانه عليه من جزاء خداعهم ومكرهم، وأجرى الأمر على أسلوب التهكم باللام التي تكون في المحبوب فقال :﴿فلهم﴾ أي فتسبب عن صدهم أنهم كان لهم ﴿عذاب مهين *﴾ جزاء بما طلبوا بذلك الصد إعزاز أنفسهم وإهانة أهل الإسلام.


الصفحة التالية
Icon