ولما كان لا يحمل على البراءة ممن هذا شأنه إلا صريح الإيمان، أنتج قوله :﴿أولئك﴾ أي الأعظمون شأناً الأعلون همماً ﴿كتب﴾ أي وصل وأثبت وصلاً وهو في لحمته كالخرز في الأديم، وكالطراز في الثوب الرقيم، فلا انفكاك له ﴿في قلوبهم الإيمان﴾ فجعلها أوعية له فأثمر ذلك نور الباطن واستقامة الأعمال في الظاهر ﴿وأيدهم﴾ أي قواهم وشددهم وأعانهم وشجعهم وعظمهم وشرفهم ﴿بروح﴾ أي نور شريف جداً يفهمون به ما أودع في كتابه وسنة رسوله ﷺ من كنوز العلم والعمل فهو لقلوبهم كالروح للأبدان، فلا يفعلون شيئاً من أحوال أهل الجاهلية كالمظاهرة، وزاد هذا التأييد شرفاً بقوله :﴿منه﴾ أي أحياهم به فلا انفكاك لذلك عنهم في وقت من الأوقات فأثمر لهم استقامة المناهج ظاهراً وباطناً، فقهروا بالدلائل والحجج، وظهروا بالسيف المفني للمهج، وعملوا الأعمال الصالحة فكانوا للدنيا كالسرج، فلا تجد شيئاً
٥٠٧
أدخل في الإخلاص من موالاة أولياء الله ومعاداة أعدائه، بل هو عين الإخلاص، ومن جنح إلى منحرف عن دينه أو داهن مبتدعاً في عقده نزع الله نور التوحيد من قلبه.
ولما أخبر بما آتاهم في الدنيا وهو غير مفارق لهم في الآخرة، أخبر بما يؤتيهم في الآخرة فقال :﴿ويدخلهم جنات﴾ أي بساتين يستر داخلها من كثرة أشجارها، وأخبر عن ريها بقوله :﴿تجري﴾ ولما كانت المياه لو عمت الأرض لم يكن بها مستقر، أثبت الجار فقال :﴿من تحتها الأنهار﴾ أي فهي لذلك كثيرة الرياض والأشجار والساحات والديار.
ولما كان ذلك لا يلذ إلا بالدوام قال :﴿خالدين فيها﴾.
ولما كان ذلك لا يتم إلا برضا مالكها قال :﴿رضي الله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الأمر كله فلا التفات إلى غيره ﴿عنهم﴾ ولما كان ذلك لا يكمل سروره إلا برضاهم ليتم حسن المجاورة قال :﴿ورضوا عنه﴾ أي لأنه أعطاهم فوق ما يؤملون.


الصفحة التالية
Icon