ولما بدأ سبحانه بهذا الدليل الجامع بين الغيب الذي لا خالق على الحقيقة إلا هو لأن الخلق فرض حد وقدر في مطلق منه لم يكن فيه بعد حد ولا قدر كالحاذي يخلق أي يقدر في الجلد حداً وقدراً لنعل ونحوه وهو سابق للفري والبري ونحو " سبق العلم العمل " فالخالق في الحقيقة هو الذي كل شيء عنده بمقدار، الذي يقول ﴿يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقاً من بعد خلق﴾ [الزمر : ٦] ﴿وإن الفرق والترتيب، ومن ناشئة الفرق والترتيب الإحياء والإماتة، ومن معاد الفرق والإحياء والإماتة على أو لأمره الجمع والرب، فلا يملك الخلق والفرق إلا من يملك الجميع والرب، وقد أوتي الحق ملكة ما في الفرق والشتات، ولم يملكوا جميع ما فرقوا ولا
٥٤٢
ألف ما شتتوا كالقاطع عضواً لا يقدر على لأمه، والهادم بناء لا يقدر على رمه على حده، والكاسر شيئاً لا يقدر على وصله، فلأن الخلق لا يحيطون بتقدير ما يسرعون في قدره ولا يقدرون بعد الفرق والفري على رمه ووصله كان المحيط التقدير في الشيء من جميع جهاته وجملة حدوده، القادر على جمع ما فرق الذي كما بدء أول خلق يعيده هو أحسن الخالقين، وتلايح تحت هذا اللبس في إطلاق اسم الخالق على الخالق الحق ذي الحول والقوة والقدرة والإحاطة والأبداء والإعادة، وعلى الخالق من الخلق المقدر بغير إحاطة علم ولا تأصيل حول ولا قدرة، ولا إتمام إبداء لاحظ من إعادة أنه لا خالق إلا الله كما أنه لا معيد لما بدأ إلا الله، وأن ليس إطلاق هذا الاسم على الخلق مبدأ فتنته التي يضل بها نم يشاء ويهدي من يشاء، وتحقيق أفراد الخلق لله فيما ظهر على أيدي أهل الملك والملكوت وإحاطة جبروته بما ظهر وما بطن من أعمالهم وصنائعهم، هو أول مجمع من مجامع التوحيد، وهو أساس لإيمان أمة محمد ﷺ، حيث فرض عليهم في الفاتحة {إياك نعبد وإياك نستعين﴾
فهم خير أمة أخرجت للناس حيث أخلصوا الدين لله، ولموقع الشرك فيه كان القدرية مجوس هذه الأمة.


الصفحة التالية
Icon