سورة الممتحنة
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٤٦
ولما كان التأديب عقب الإنعام جديراً بالقبول، وكان قد أجرى سبحانه سنته الإلهية بذلك، فأدب عباده المؤمنين عقب سورة الفتح السببي بسرة الحجرات، وكانت سورة الحشر مذكرة بالنعمة في فتح بني النضير ومعلمة بأنه لا ولي إلا الله، ولذلك ختمها بصفتي العزة والحكمة بعد أن افتتحها بهما، وثبت أن من حكمة حشر الخلق، وأن أولياء الله هم المفلحون، وأن أعادءه هم الخاسرون، وكان الحب في الله والبغض في الله أفضل الأعمال وأوثق عرى الإيمان، ولذلك ذم سبحانه من والى أعداءه وناصرهم، وسماهم مع التكلم بكلمة الإسلام منافقين، أنتج ذلك قطعاً وجوب البراءة من أعدائه والإقبال على خدمته وولائه، فقال معيداً للتأديب عقب سورة الفتح على أهل
٥٤٧
الكتاب بسورة جامعة تتعلق بالفتح الأعظم والفتح السببي :﴿يا أيها الذين آمنوا﴾ منادياً بأداة العبد وإن كان من نزلت بسببه من أهل القرب، ومعبراً بالماضي إقامة لمن والى الكفار نوع موالاة في ذلك المحل إلهاباً له وتهييجاً إلى الترفع عنه لئلا يقدح في خصوصيته ويحط من عليّ رتبته مع اللطف به بالتمسية له بالإيمان حيث شهد سبحانه على من فعل نحو فعله مع بني النضير بالنفاق وأحله محل أهل الشقاق، فحكم على القلوب في الموضعين فقال هناك :﴿الذين نافقوا﴾ كما قال هنا :﴿الذين آمنوا﴾.
ولما كان قد تقدم في المجادلة النهي الشديد عن إظهار مطلق الموادة للكفار، وفي الحشر الزجر العظيم عن إبطان ذلك فتكفلت السورتان بالمنع من مصاحبة ودهم ظاهراً أو باطناً، بكت هنا من اتصف بالإيمان وقرعه ووبخه على السعي في موادتهم والتكلف لتحصيلها، فإن ذلك قادح في اعتقاد تفرده سبحانه بالعزة والحكمة، فعبر لذلك بصيغة الافتعال فقال بعد التبكيت بالنداء بأداة البعد والتعبير بأدنى أسنان الإيمان :﴿لا تتخذوا﴾ وزاد في ذلك المعنى من وجهين : التعبير بما منه العداوة تجرئة عليهم وتنفيراً منهم والتوحيد لما يطلق على الجمع لئلا يظن أن المنهي عنه المجموع بقيد الاجتماع والإِشارة إلى أنهم في العداوة على قلب واحد، فأهل الحق أولى بأن يكونوا كذلك في الولاية فقال :﴿عدوي﴾ أي وأنتم تدعون موالاتي ومن المشهور أن مصادق العدو أدنى مصادقة لا يكون ولياً فيكف بما هو فوق الأدنى وهو فعول من عدى، وأبلغ في الإيقاظ بقوله :﴿وعدوكم﴾ أي العريق في عداوتكم ما دمتم على مخالفته في الدين.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٤٧