ولما كان المحب قد يفعل بسبب الإدلال ما يستحق به التبكيت، فإذا بكت ظن أن ذلك ليس على حقيقته لأن محبته لا يضرها شيء، وكان قد ستر المعايب بأن أخرج الكلام مخرج العموم، صرح بأن هذا العتاب مراد به الإحباب فقال :﴿منكم﴾ وحقق الأمر وقربه بقوله :﴿فقد ضل﴾ أي عمي ومال وأخطأ ﴿سواء السبيل *﴾ أي قويم الطريق الواسع الموسع إلى القصد قويمه وعدله، وسبب نزول هذه الآية روي من وجوه كثيرة فبعضه في الصحيح عن علي ومنه في الطبراني عن أنس ومنه في التفاسير " أن سارة مولاة أبي عمرو بن صيفي بن هاشم بن عبد مناف أتت المدينة ورسول الله ﷺ يتجهز لفتح مكة فسألها ما أقدمها، فقالت : ذهب موالي وقد احتجت حاجة شديدة، وكنتم الأهل والعشيرة والموالي، فحث رسول الله ﷺ بني عبد المطلب وبني المطلب فأعطوها وكسوها وحمولها، فكتب معها حاطب بن أبي بلتعة حليف بني أسد بن عبد العزى من حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكة أن رسول الله ﷺ يريدكم فخذوا حذركم، فأعطاها عشرة دنانير، فنزل جبريل عليه السلام بالخبر فبعث رسول الله الله صلى الله عليه عمر وعلياً وعماراً والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد وكانوا كلهم فرساناً فقال :"انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب من حاط إلى المشركين، فخذوه منها وخلوا سبيلها، وإن لم تدفعه غليكم فاضربوا عنقها" فانطلقوا تعادي بهم خيلهم، فأدركوها في ذلك المكان فأنكرت وحلفت بالله، ففتشوها فلم يجدوه فهموا بالرجوع، فقال علي رضي الله عنه : ما كذبنا ولا كذبنا، وسل سيفه فقال : أخرجي الكتاب أو لألقين الثياب ولأضربن عنقك، فقالت : على أن لا تردوني، ثم أخرجته من عقاصها قد لفت عليه شعرها، فخلوا سبيلها، فقال رسول الله ﷺ لحاطب :"ل تعرف الكتاب"، قال : نعم، قال :"فما حملك على هذا" ؟ قال : لا تعجل يا رسول الله، والله ما كفر منذ أسلمت ولا غششت منذ نصحتك ولا


الصفحة التالية
Icon