ولما كان ما بينه تعالى من أخراجهم لهم موضحاً بعداوتهم وكان طول كفهم عن قصدهم بالأذى من سنة الأحزاب سنة خمس إلى سنة ثمان ربما شكك في أمرها، وكان
٥٥١
سبحانه قد أعز المؤمنين بعد ذلهم وقواهم بعد وهنهم وضعفهم، وثقفهم بعد جهلهم، بين ظلال معتقد ذلك بأن كف الكفار إنما هو لعجزهم وأنهم لو حصل لهم ما هو للمسلمين الآن من القوة لبادروا إلى إظهار العداوة مع أن ذلك في نصر الشيطان، فأولياء الرحمان الوى باتباع ما آتاهم من الإيمان، فقال مبيناً لبقاء عداوتهم :﴿إن يثقفوكم﴾ أي يجدوكم في وقت من الأوقات ومكان من الأماكن وهم يطمعون في أخذكم بكونهم أقوى منكم أو أعرف بشيء مما تيوصل به إلى الغلبة، وأشار بأداة الشك إلى أن وجدانهم وهم على صفة الثقافة مما لا تحقق له، وإنما هو على سبيل الفرض والتقدير، وأنه إنما علم سبحانه أنه لو كان كيف كان يكون، مع أنه مما لا يكون، ونبه على عراقتهم في العداوة بالتعبير بالكون فقال :﴿يكونوا لكم﴾ أي خاصة ﴿أعداء﴾ أي يعدون إلى أذاكم كل عدو يمكنهم وإن واددتموهم.
ولما كانت العداوة قد تكون بإغراء الغير، عرف أنهم لشدة غيظهم لا يقتصرون على ذلك فقال :﴿ويبسطوا إليكم﴾ أي خاصة وإن كان هناك في ذلك الوقت من غيركم من قتل أعز الناس إليهم ﴿أيديهم﴾ أي بالضرب إن استطاعوا ﴿وألسنتهم﴾ أي بالشتم مضمومة إلى فعل أيديهم فعل من ضاق صدره بما نجرع من آخر من غيركم من القصص حتى أوجب له غاية السعة ﴿بالسوء﴾ أي بكل ما من شأنه أن يسوء.


الصفحة التالية
Icon