ولما كان التقدير إعلاماً بأن الله هو الفاصل وهو الضار النافع بما دلت عليه قراءة الباقين إلا أن حمزة والكسائي بضم الياء وفتح الفاء وكسر الصاد مشددة إشارة إلى عظمة هذا الفصل بخروجه عن المألوف عوداً إلى الاسم الأعظم إشارة إلى عظم الأمر بانتشار الخلائق وأعمالهم : فاللّه على ذلك قدير، عطف عليه قوله :﴿والله﴾ أي الذي له الإحاطة التامة ﴿بما تعملون﴾ أي من كل عمل في كل وقت ﴿بصير *﴾ فيجازيكم عليه في الدنيا والآخرة، وقد مضى غيره مرة أن تقديم الجار في مثل هذا للتنبه على مزيد الاعتناء بعلم ذلك لا على الاختصاص ولا لأجل الفواصل.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٥١
ولما أبلغ سبحانه في وعظهم في ذلك، وكانت عادته التربية بالماضين، كان موضع توقع ذلك فقال معبراً بأداة التوقع :﴿قد كانت﴾ أي وجدت وجوداً تاماً، وكان تأنيث الفعل إشارة إلى الرضا بها ولو كانت على أدنى الوجوه ﴿لكم﴾ أي أيها المؤمنون ﴿أسوة﴾ أي موضع اقتداء وتأسية وتسنن وتشرع وطريقة مرضية ﴿حسنة﴾ يرغب فيها ﴿في إبراهيم﴾ أي في قول أبي الأنبياء ﴿والذين معه﴾ أي ممن كانوا قبله من الأنبياء، قال القشيري : وممن آمن به في زمانه كابن أخيه لوط عليهما الصلاة والسلام وهم قدوة أهل الجهاد والهجرة ﴿إذ﴾ أي حين ﴿قالوا﴾ وقد كان من آمن به أقل منكم وأضعف ﴿لقومهم﴾ الكفرة، وقد كانوا أكثر من عدوكم واقوى وكلان لهم فيهم أرحام وقرابات ولهم فيهم رجاء بالقيام والمحاولات.
ولما كان ما ذكر من ضعفهم وقوة قومهم مبعداً لأن يبارزوهم، أكدوا قولهم فقالوا :﴿إنا﴾ أي من غير وقفة ولا شك ﴿برءاء﴾ أي متبرئون تبرئة عظيمة ﴿منكم﴾
٥٥٣
وإن كنتم أقرب الناس إلينا ولا ناصر لنا منهم غيركم.