ولما أتم وعظهم بما هو الأنفع والأقرب إلى صلاحهم ففعلوا، وكان ذلك شاقاً لما جبل عليه البشر من حب ذوي الأرحام والعطف عليهم، فتشوفت النفوس إلى تخفيف بنوع من الأنواع، أتبعه الترجئة فيما قصد حاط رضي الله عنه بغير الطريق الذي يتوصل به فقال على عادة الملوك في الرمز إلى ما يريدونه فيقنع الموعد به بل يكون ذلك الرمز عنده أعظم من البت من غيرهم لما لهم نم العظمة التي تقتضي النزاهة عما يلم بشائبه نقص، وذلك أعظم في الإيمان بالغيب لأن الوعود لا توزال بين خوف ورجاء جاوباً لمن كأنه كان يقول : كيف يكون الخلاص من مثل هذه الواقعة وقد بنيت يا رب هذه الدار على حكمة الأسباب :﴿عسى الله﴾ أي أنتم جديريون بأن تطمعوا في الملك المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ﴿أن يجعل﴾ بأسباب لا تعلمونها ﴿بينكم وبين﴾ أي في جميع الحد الفاصل بين المجموعين أو بين كل شخصين من الجمعين ﴿الذين عاديتم﴾ أي بالمخالفة في الدين ﴿منهم﴾ أي من هؤلاء الذين عادوكم بما تقدم بأعيانهم من أهل مكة ﴿مودة﴾ وقد جعل ذلك علام الفتح تحقيقاً لما رجاه سبحانه، وأجرى سنته الإلهية بأن من عادتيه فيه جعل عاقبة ذلك إلى ولاية عظيمة، ومن تهاونت في مقاطعته فيه سبحانه أقامه لك ضداً.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٥٦