ولما كان التقدير : فالله بكم رفيق، عطف عليه تذكيراً لهم بما له سبحانه من العظمة قوله ﴿والله﴾ أي الذي له الأحاطة بالكمال :﴿قدير﴾ أي بالغ القدرة على كل ما يريده فهو يقدر على تقليب القلوب وتيسير العسيرن فملا تم الرجاء لم يبق إلا كدر الذنب فأتبعه تطييباً للقلوب مما نزلت هذه الآيات بسببه قوله :﴿والله﴾ أي الذي له جميع صفات الكمال ﴿غفور﴾ أي محاء لأعيان الذنوب وآثارها ﴿رحيم *﴾ يكرم الخاطئين إذا أراد بالتوبة ثم بالجزاء غاية الإكرام، قال الرازي في اللوامع : كان النبي ﷺ استعمل أبا سفيان رضي الله عنه على بعض اليمن، فلما قبض رسول الله ﷺ أقبل فلقي ذا الحجار مرتداً فقاتله، فكان أول من قاتل على لردة، فتلك المودة بعد المعادة.
٥٥٨
ولما تم الوعظ والتأسية وتطبيب النفوس بالترجئة، وكان وصف الكفار بالإخراج لهم من ديارهم يحتمل أن يكون بالقوة فيعم، ويحتمل أن يكون بالفعل فيخص أهل مكة أو من باشر الأذى الذي تسبب عنه الخروج منهم، بين ذلك بقوله مؤذناً بالإشارة إلى الاقتصاد في الولاية والعداوة كما قال ﷺ :"أحبب حبيبك هوناً ما عسى أن يكون بغيضك يوماً ما.
وأبغض بغيضك هوناً ما عسى أن يكون حبيبك يوماً ما" ﴿لا ينهاكم الله﴾ أي الذي اختص بالجلال والإكرام ﴿عن الذين لم يقاتلوكم﴾ أي بالفعل ﴿في الدين﴾ أي بحيث تكونوا مظروفين له ليس شيئاً من أحوالهم خارجاً عنه، فأخرج ذلك القتال بسبب حق دنيوي لا تعلق له بالدين، وأخرج من لم يقاتل أصلاً كخزاعة والنساء، ومن ذلك أهل الذمة بل الإحسان غليهم من محاسن الأخلاق ومعالي الشيم لأنهم جيران.


الصفحة التالية
Icon