ولما كان في علمه سبحانه وتعالى أنه يأتيهم نساء يهربن بدينهن إلى الله، بشرهم بذلك بالتعبير بأداة التحقيق فقال :﴿إذا﴾ أي صدقوا ما ادعيتموه من الإيمان بأنه في أي زمان ﴿جاءكم﴾ ولما كان لا يهجر داره وعشيرته لا سيما إن كانوا أقارب بسبب كفرهم إلا من رسخ في الإيمان ذكراً كان أو أنثى قال :﴿المؤمنات﴾ أي النساء اللاتي صار وصف الإيمان لهن صفة راسخة بدلالة الهجرة عليه :﴿مهاجرات﴾ للكفار ولأرضهم ﴿فامتحنوهن﴾ أي اختبروهن تأكيداً لما لت عليه الهجرة من الإيمان التحليف بأنهن ما خرجن لحدث أحدثته ولا بغضاً في زوج ولا رغبة في عشير ولا خرجن إلا حباً لله ورسوله ورغبة في دين الإسلام، قال الإمام شهاب الدين ابن النقيب في الهداية من مختصره للكفاية لفقيه المذهب نجم الدين أحمد بن الرفعة في شرح التنبيه : واختلف
٥٦١
قول الشافعي رحمه الله تعالى : هل كان النبي ﷺ شرط لقريش في الصلح رد النساء ففي قول : لم يشترطه بل أطلق رد من جاءه فتوهموا تناول النساء، وكان النبي ﷺ عالماً بعدم دخولهن، فأطلق ذلك حذيفة يعني ومن شرعه ان الحرب خدعة، وفي قوله : شملهن الشرط، لكن هل شرطه صريحاً أم دخلن في الإطلاق فيهن وجهان أظهرهما الثاني، وهل كان شرطهن جائزاً فيه وجهان : أحدهما نعم ثم نسخ، وهل ناسخه الآية المذكورة أم منع النبي ﷺ من الرد فيه وجهان مبنيان على أنه هل يجوز نسخ السنة بالقرآن وفيه قولان للشافعي رحمه الله تعالى، ومختاره منهما المنع وهو الجديد، وكذا لا يجوز عنده وعند أصحابه نسخ الكتبا بالسنة وإن كانت متواترة - انتهى.
ومعناه أنه لم يقع فإن وقع نسخها بالقرآن كان معه سنة، وإن وقع نسخه بالسنة كان معها قرآن، وهو معنى قول ابن السبكي في جمع الجوامع : قال الشافعي رضي الله عنه : وحيث وقع بالسنة فمعها قرآن أو بالقرآن فمعه سنة عاضدة تبين توافق الكتاب والسنة.