ولما تحنن إليهم واستعطفهم وذكرهم ما يعلمون من رسليته وصلته بالله بما شاهدوا من الآيات التي هي أعظم الإحسان إليهم، أعلم أنهم أوشكوا العصيان، فقال معبراً عن ذلك بالفاء تسبيباً عن هذا القول الذي هو أهل لأن يسبب الثبات وتعقيباً وتقريباً :﴿فلما زاغوا﴾ أي تحقق زيغهم عن قرب عن أوامر الله في الكتبا الآتي إليهم بما أبوا من قبول أمره في الإقدام على الفتح ﴿أزاغ الله﴾ أي الذي له الأمر كله ﴿قلوبهم﴾ من الاستواء، وجمع الكثرة يدل على أنه لم يثبت منهم إلا القليل فهزمهم بين يدي أعدائهم وضربهم بالتيه لأنهم فسقوا عن أمر الله ﴿فالله﴾ - لا يهديهم، فأسند الذنب إليهم والعقوبة إليه وإن كان الكل فعله تعليماً لعباده الأدب وإعلاماً بأن أفعالهم الاختيارية ينسب إليهم كسبها ويقوم به الحجة عليهم لعدم علمهم بالعاقبة ﴿والله﴾ أي الملك الأعظم الذي له الحكمة البالغة لأنه المستجمع لصفات الكمال ﴿لا يهدي﴾ أي بالتوفيق بعد هداية البيان ﴿القوم الفاسقين *﴾ أي العريقين في الفسق الذين لهم قوة المحاولة فلم يحملهم على الفسق ضعف، فاحذروا أن تكونوا مثلهم في العزائم فتساووهم في عقوبات الجرائم - انتهى.
ولما كان أذى النبي ﷺ بمخالفة أمره تارة يكون مع العلم برسالته والإقرار بها وتارة مع الإنكار، وقدم العتاب على ما كان منه على تقدير التصديق، وذكر فيه بقصة موسى عليه الصلاة والسلام الذي كانوا يؤذونه مع العلم برسالته، وهدد بما اتفق لهم من زيغ القلوب التي هي عماد الأبدان وصلاح الإنسان، أتبعه ما يكون منه عند فرض الإنكار.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٧٤


الصفحة التالية
Icon