ولما كان رد المنكر تارة بالعقل وتارة بالنقل، وكان الذي بالعقل يكون بنظر المعجزات ولا سيما إخراج الخبأ وقد كان منه في قصة حاطب رضي الله تعالى عنه في إخراج كتابه الذي اجتهد في إخفائه واجتهدت الظعينة الحاملة له في كتمانه ما فيه مقنع في العلم بالرسالة وتحقق الجلالة، أتبع ذلك دليلاً نقلياً تأييداً للعقل مع كونه دليلاً على صحة الإخبار بإزاغة قلوب بني إسرائيل جزاء على زيغهم عن الحق فقال :﴿وإذ﴾ أي واذكروا حين ﴿قال عيسى﴾ ووصفه بما حقق من هو فقال :﴿ابن مريم﴾ أي لقوم
٥٧٥
موسى عليهما الصلاة والسلام الذين أرسل إليهم وثبتت نبوته لديهم بالمعجزات مع إخلاص الدعوة لله وتصديق من كان قبله من أهل الله :﴿يا بني إسرائيل﴾ وذكرهم بما كان عليه أبوهم من الدين وما وصى به نبيه من التمسك بالإسلام، ولم يعبر بالقوم كما قال موسى عليه الصلاة والسلام لأنه لا أب له فيهم وإن كانت أمه منهم، فإن النسب إنما هو من جهة الأب، وأكد لإنكار بعضهم فقال :﴿إني رسول الله﴾ أي الملك الأعظم الذي أحاط علمه بكل شيء ﴿إليكم﴾ أي لا إلى غيركم، حال كوني ﴿مصدقاً﴾ نصبه بما في الرسول من رائحة الفعل ولا ينصب بـ " إليكم " لأنه صفة للرسول، وحروف الجر لا تعمل بأنفسها بل بما فيها من معنى الفعل، فإذا كانت صلات لم تكن متضمنة لمعنى فعل فلا تعمل، وهو الحرف الذي يسمى في غير " الكتاب العزيز " لغواً ﴿لما بين يدي﴾ أي تقدمني وكان من قبلي ﴿من التوراة﴾ التي تعلمون أن الله تعالى أنزلها على موسى عليه الصلاة والسلام وهي أول الكتب التي نزلت بعد الصحف وحكم بها النبيون، فتصديقي لها مع تأييدي لها مؤيد لأن ما أقمته من الدلائل حق ومبين أنها دليلي فيما لم أنسخه منه كما يستدل الإنسان بما قدامه من الأعلام ويراعيه ببصره.


الصفحة التالية
Icon