ولما أخبر بذلك، علله بما هو شأن كل ملك فكيف بالواحد في ملكه فقال :﴿هو﴾ أي الذي ثبت أنه جامع لصفات الجمال والجلال وحده من غير أن يكون له شريك أو وزير ﴿الذي أرسل﴾ بما له نم القوة والأرادة ﴿رسوله﴾ أى الحقيق بأن يعظمه كل من بلغه أمره لأن عظمته من عظمته، ولم يذكر حرف الغاية إشارة إلى عموم الإرسال إلى كل من شمله الملك كما مضى ﴿بالهدى﴾ أي البيان الشافي ﴿ودين الحق﴾ أي الملك الذي ثباته لا يدانيه ثبات، فلا ثبات لغيره، فثبات هذا الدين بثباته، ويجوز أن يكون المعنى : والدين الذي هو الحق الثابت في الحقية الكامل فيها كمالاً ليس لغيره، فيكون من إضافة الموصوف إلى صفته إشارة إلى شدة التباسه بها ﴿ليظهره﴾ أي يعليه مع الششهرة وإذلال المنازع ﴿على الدين﴾ أي جنس الشريعة التي تجعل ليجازي من يسلكها ومن يزيغ عنها، بها يشرع فيها من الأحكام ﴿كله﴾ فلا يبقى دين إلا كان دونه وانمحق به وذل أهله له ذلاً لا يقاس به ذل ﴿ولو كره﴾ أي إظهاره ﴿المشركون *﴾ أي المعاندون في كفرهم الراسخون في تلك المعاندة، وأعظم مراد بهذا أهل العناد ببدعة الاتحاد، فإنهم ام تركوا شيئاً مما سواه حتى أشركوا به - تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، - وهم مع بعد نحلتهم من العقول وفسادها من الأوهام ومصادمتها لجميع النقول في غاية الكثرة لمصير الناس إلى ما وعد الله ورسوله - وصدق الله ورسوله - من أن أكثره قد مرجت عهودهم وخفيت أماناتهم وصاروا حثالة كحثالة التمر لا يعبأ الله بهم، لكنهم على كثرتهم بما تضمنته هذه الآية في أمثالها في غياة الذل ولله الحمد لا عز له إلا بإظهار الاتباع للكتاب والسنة وهم يعلمون أنهم يكذبون في هذه الدعوى لأنهم في غاية المخالفة لهما بحيث يعتقدون أنهما شرك لإثباتهما لله تعالى وجوداً يخالف وجود الخلق وهم يقولون مكابرة للضرورة أن الوجود واحد وأنه لا موجود ظاهراً وباطناً سواه، ولذلك سموا الوجود به ثم لا يردهم علمهم بذلهم


الصفحة التالية
Icon