ولما كان الجميع بين الروح وعديلها المال على وجه الرضى والرغبة أدل على صحة الإيمان، قال :﴿بأموالكم﴾ وقدمها لعزتها في ذلك الزمان ولأنها قوام الأنفس والأبدان، فمن بذل ماله كله لم يبخل بنفسه لأن المال قوامها.
ولما قدم اقوم أتبعه القائم به فقال :﴿وأنفسكم﴾ ولما أمر بهذا في صيغة الخبر اهتماماً به وتأييداً لشأنه، أشار إلى عظمته بمدحه قبل ذكر جزائه، فقال :﴿ذلكم﴾ أي الأمر العظيم من الإيمان وتصديقه بالجهاد ﴿تعلمون *﴾ أي إن كان يمكن أن يتجدد لكم علم في وقت من الأوقات فأنتم تعلمون أن ذلك خير لكم، فإذا علمتم، أنه خير أقبلتم عليه فكان لكم به أمر عظيم، وإن كانت قلوبكم قد طمست طمساً لا رجاء لصلاحها فصلوا على أنفسكم صلاة الموت.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٨٥
ولما كان معنى " تؤمنون " : فالأمر كما تقدم، لكنه حول عن ذلك لما ذكر، وكان أهم ما إلى الإنسان خوفه مما هدد عليه، أمن سبحانه من ذلك دالاً على اصل الفعل بجزم ما هو في موضع الجواب فقال :﴿يغفر لكم﴾ أي خاصة دون من لم يفعل ذلك ﴿ذنوبكم﴾ أي بمحو أعيانها وآثارها كلها.
ولما قرع القلوب من كدر العقاب والعتاب، لذذها بطيب الثواب فقال :﴿ويدخلكم﴾ أي بعد التزكية بالمغفرة رحمة لكم ﴿جنات تجري﴾ ودل على قرب
٥٨٦
الجاري وتخلله الأراضي بالجار فقال :﴿من تحتها﴾ أي تحت أشجارها وغرفها وكل متنزه فيها ﴿الأنهار﴾ فهي لا تزال غضة زهراء، ولم يحتج هذا الأسلوب إلى ذكر الخلود لغناء ما بعده عنه، دل على الكثرة المفرطة في الدور بقوله بصيغة منتهى الجموع :﴿ومساكن﴾ ولما كانت المساكن لا تروق إلا بما يقارنها من المعاني الحسنة قال :﴿طيبة﴾ أي في الاتساع واختلاف أنواع الملاذ وعلو الأبينة والأسرة مع سهولة الوصول إليها وفي بهجة المناظر وتيسر مجاري الريح بانفساح الأبنية مع طيب الغرف، لم يفسد الماء الجاري تحتها شيئاً من ريحها ولا في اعتدالها في شيء مام يراد منها.


الصفحة التالية
Icon