ولما كان ما تقدم من المعاتبة إنذاراً لمن خالف فعله قوله من الذين آمنوا، وكان المقام قد أخذ حظه من الإنذار والتوبيخ، طوى ما تقديره : فأنذر من لم يكن راسخاً في الدين من المنافقين، ومن خالف فعله قوله من المؤمنين : عطف عليه دلالة عليه ليكون أوقع في النفس لمن يشير إليه طيه من الاستعطاف قوله :﴿وبشر المؤمنين *﴾ أي الذين صار الإيمان لهم وصفاً راسخاً كحاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه بان الله يفتح لك البلاد شرقاً وغرباً، وأول ذلك مكة المشرفة ولا يحوجهم إلى أن يدرؤوا عن عشائرهم
٥٨٧
وأموالهم ولا أن يكون شيء من أفعالهم يخالف شيئاً من أقوالهم.
ولما هز سبحانه إلى الجهاد وشوق إليه بأنه متجر رابح، ولوح إلى النذارة بالتنشيط بالبشارة، فتهيأت النفوس إلى الإقبال عليه وانبعثت أي انبعاث، حض عليه بالإيجاب المقتضي للثواب أو العقاب، فقال منادياً بأداة البعد والتعبير بما يدل على أدنى الأسنان تأنيباً على أنه لا يعدم الوصف بالإيمان إلا مقرون بالحرمان تشويقاً وتحبباً :﴿يأيها الذين آمنوا﴾ أي أقروا بذلك فأذعنوا بهذا الوعظ غاية الإذعان أني أمرت رسول الله ﷺ أن يقول لكم :﴿كونوا﴾ أي بغاية جهدكم ﴿أنصار الله﴾ أي راسخين في وصف النصرة وفي الذروة العليا من ثبات الأقدام في تأييد الذي له الغنى المطلق لتكونوا - بما أشارت إليه قراءة الجماعة بالإضافة - بالاجتهاد في ذلك كأنكم جميع أنصاره، فإنكم أشرف من قوم عيسى عليه الصلاة والسلام، وما ندبكم سبحانه لنصرته إلا لتشريفكم بمصاحبة رسله الذين هم خلاصة خلقه عليهم الصلاة والسلام فقولوا سمعنا وأطعنا نحن أنصار الله وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالتنوين ولام الجر على معنى : كونوا بعض أنصاره، ويشبه أن يكون المأمور به في هذه القراءة الثبات على الإيمان ولو في أدنى الدرجات، وفي قراءة الجمهور الرسوخ فيه.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٨٦


الصفحة التالية
Icon