ولما كان التقدير على صفة هي من الثبات والسرعة على صفة الحواريين، عبر عن ذلك بقوله :﴿كما﴾ أي كونوا لأجل أني أنا ندبتكم بقولي من غير واسطة ولذذتكم بخطابي مثل ما كان الحواريون أنصار الله حين ﴿قال عيسى ابن مريم﴾ حين أرسلته إلى بني إسرائيل ناسخاً لشريعة موسى عليه الصلاة والسلام ﴿للحواريين﴾ أي خلص أصحابه وخاصته منهم :﴿من أنصاري﴾ حال كونهم سائرين في منازل السلوك والمعاملات ومراحل المجاهدات والمنازلات ﴿إلى الله﴾ أي المحيط بكل شيء فنحن إليه راجعون كما كنا به مبدوئين.
ولما اشتد تشوف السامع إلى جوابهم، أبان ذلك بقوله :﴿قال الحواريون﴾ معلمين أنه جادون في ذلك جداً لا مزيد عليه عاملين فيما دعاهم إليه عمل الواصل لا السائر لعلمهم أنه إجابته إجابة الله لأنه لا ينطق عن الهوى فليس كلامه إلا عن الله :﴿نحن﴾ أي بأجمعنا ﴿أنصار الله﴾ أي الملك الأعلى الذي هو غني عنا وقادر على تمام نصرنا، ولو كان عدونا كل أهل الأرض ننصره الآن بالفعل، لا نحتاج إلى تدريب يسير ولا نظر إلى غير، لاستحضارنا لجميع ما يقدر عليه الآدمي من صفات جلاله وجماله وكماله، ولذلك أظهروا ولم يضمروا.
ولما كان التقدير : ثم دعوا من خالفهم من بني إسرائيل وبارزوهم، سبب عنه
٥٨٨
قوله :﴿فآمنت﴾ أي به ﴿طائفة﴾ أي ناس فيهم أهلية الاستدارة لما لهم من الكثرة ﴿من بني إسرائيل﴾ أي قومه ﴿وكفرت طائفة﴾ أي منهم، وأصل الطائفة : القطعة من الشيء ﴿فأيدنا﴾ أي قوينا بعد رفع عيسى عليه الصلاة والسلام ﴿الذين آمنوا﴾ أي الذين أقروا بالإيمان المخلص منهم وغيره في القول والفعل وشددنا قلوبهم ﴿على عدوهم﴾ الذين عادوهم لأجل إيمانهم.


الصفحة التالية
Icon