ولما ثبت بالسور الثلاثة الماضية أن الموجودات أوقعت له التسبيح، وأخبرت هذه باستمرار ذلك على سبيل التجديد، دل ذلك مع التنزيه عن النقائص على إثبات الكمال الذي لا يكون إلا لملك عظيم الشأن مطاع الأمر، وكان الاقتصار على الصامت بالتعبير بما هو ظاهر فيه ربما أوهم شيئاً، قال مصرحاً بما أفهمه السياق :﴿الملك﴾ أي الذي ثبتت له جميع الكمالات فهو ينصر من يشاء من جنده ولو كان ذليلاً فيصبح ظاهراً ﴿القدوس﴾ الذي انتفت عنه جميع النقائص، فلا يكون شيء إلا بإذنه وتنزه عن إحاطة أحد من الخلق بعلمه أو إدراك كنة ذاته فليس في أيدي الخلق إلا التردد في شهود أفعاله، والتبدر لماهيم نعوته وجلاله، وأحقهم بالقرب والعداد في حزبه المتخلق بأوصافه على قدر اجتهاده، فينبغي للمؤمن التنزه عن أن يقول ما لا يفعل أو يبني شيئاً من أموره على غير إحكام، وقد مضى شرح الاسمين الشريفين قريباً وذكر خلاصة شرحهما بما هو خاصة الملك وآية الطهارة للطاهر فقال :﴿العزيز﴾ أي الذي يغلب كل شيء لا يغلبه شيء، فلو أراد لجعل العقلاء كلهم أيضاً مع تسبيحهم بالجري تحت مراده طوعاً وكرهاً مسبيحين بالموافقة لأمره طوعاً ﴿الحكيم *﴾ الذي يوقع كل ما أراده في أحكم مواضعه وأتما وأتقنها.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٩٠
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما ختمت سورة الصف بالثناء على الحواريين في حسن استجابتهم وجميل إيمانهم، وقد أمر المؤمنين بالتشبه بهم في قوله تعالى :﴿يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله﴾ [الصف : ١٤] كان ذلك مما يوهم فضل أتباع عيسى عليه السلام على أتبع محمد ﷺ فاتبع ذلك بذكر هذه الأمة، والثناء عيلها، فافتتحت السورة بالتنزيه عما أشار إليه قوله :﴿وكفرت طائفة﴾ [الصف : ١٤] فإنهم ارتكبوا العظيمة وقالوا بالنبوة، فنزه
٥٩١


الصفحة التالية
Icon