ولما كان المقام لتنزيه ولتأديب من وقع في موادة الكفار ونحو ذلك، قدم التزكية فقال :﴿ويزكيهم﴾ أي عن الأخلاق الرذيلة والعقائد الزائغة، فكانت تزكيته لهم مدة حياته بنظره الشريف إليهم وتعليمه لهم وتلاوته عليم، فربما نظر إلى الإنسان نظرة محبة فزكاه الله بها، وربما سرت تلك النظرة إلى ثان فأشرقت أنوارها عليه على حسب القابليات كما وقع لعمير بن وهب ثم صفوان بن أمية وكذا ذو النور الطفيل بن عامر الدوسي رضي الله عنه ثم قومه، فأما عمير فكان من أعظم المؤذين للنبي ﷺ ولمن آمن به فتذاكر مع صفوان وقعة بدر في الحجر ومن فقدوا من صناديدهم وأنه ليس في العيش بعدهم خير، ثم تمنوا رجلاً بقتال النبي ﷺ، فقال عمير : لولا فقري وبنات لي وعيال أخشى عليهم الضيعة من بعدي لأتيته بغلة أسيري عندهم فقتلته، فاغتنمها صفوان فعاهده أن يكفي عياله إن مات وأن يواسيه إن عاش، فقال : اكتم عني ثلاثاً، ثم ذهب إلى النبي ﷺ فهداه الله فحلف صفوان أن لا يكلمه أبداً، فلما فتحت مكة فر صفوان ليركب البحر من جدة، فاستأذن عمير النبي ﷺ ثم ذهب إليه فلحقه فلم يزل به حتى رجع ثم أسلم فكان من خيار الصحابة رضي الله عنه، واما ذو النور فحين دعاه النبي ﷺ ثم سأل آية يعينه الله بها على قومه فآتاه الله نوراً حين أشرف على الحي الذيث هو منه، ثم دعا أباه وأمه فأسلما، ثم صاحبته فكذلك ثم قومه، فما تخلف منهم أحد، وأما غير الصحابة رضي الله عنهم فتزكيته لهم بآثاره بحسب القابليات والأمور التي قضى الله أن يكون مهيأ، فمن كان له أعشق كان لاتباعه ألزم، فكان في كتاب الله وسنته أرسخ من سيرة وغيرها علماً وعملاً فكان أشد زكاء.


الصفحة التالية
Icon