ولما كان قولهم أنهم أولياء الله وأحباؤه في غاية البعد من هذا المثل، استأنف ما يدل على صحة المثل قطعاً، فقال معرضاً عنهم آمراً لمن كذبوه بتبكيتهم :﴿قل﴾ أي يا أيها الرسول الذي هم قاطعون بأنه رسوله الله :﴿يا أيها الذين هادوا﴾ أي تدينوا
٥٩٦
باليهودية.
ولما كان الحق يصدع من له أدنى مسكة، فكانوا جديرين بالرجوع عن العناد، عبر بأداة الشك فقال :﴿إن زعمتم﴾ أي قلتم قولاً هو معرض للتكذيب ولذلك أكدتموه ﴿أنكم أولياء الله﴾ أي الملك الأعلى الذي لا أمر لأحد معه، خصكم بذلك خصوصية مبتدأة ﴿من دون﴾ أي أدنى رتبة من رتب ﴿الناس﴾ فلم تتعد الولاية تلك الرتبة الدنيا إلى أحد منكم غيركم، بل خصكم بذلك عن كل من فيه أهلية الحركة لا سيما الأميين ﴿فتمنوا الموت﴾ وأخبروا عن أنفسكم بذلك للقلة من دار البلاء إلى محل الكرامة والآلاء ﴿إن كنتم﴾ أي كوناً راسخاً ﴿صادقين *﴾ أي عريقين عند أنفسكم في الصدق فإن من علامات المحبة الاشتياق إلى المحبوب، ومن التطوع به أن من كان في كدر وكان له ولي قد وعده عند الوصول إليه الراحة التي لا يشوبها ضرر أنه يتمنى النقلة إلى وليه، روي أنه ﷺ قال لهم "والذي نفسي بيده لا يقولها منكم أحد إلا غص بريقه " فلم يقلها أحد منهم علماً منهم بمصدقه ﷺ فلم يقولوا ولم يؤمنوا عناداً منهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٩٥