تعميماً وإعلاماً بأن وصف ما قدموا من الظلم ﴿والله﴾ أي الذي له الإحاطة بكل شيء قدرة وعلماً ﴿عليم﴾ أي بالغ العلم محيط بهم - هكذا كان الأصل، ولكنه قال :﴿بالظالمين *﴾ تعميماً وتعليقاً بالوصف لا بالذات، فالمعنى أنه عالم بأصحاب هذا الوصف الراسخين فيه منهم ومن غيرهم فهو يجازيهم على ظلمهم وهم يعلمون ذلك، وأعظم مصدق الله - ومن أصدق من الله قيلاً - في هذا أنهم ما قوتلوا قط إلا أرزوا إلى حصونهم وقراهم كما مر في سورة الحشر، فدل ذلك على أنهم أحرص على الحياة الدنيا من الذين أشركوا كما مر في سورة البقرة فإنهم عالمون بأنهم يصيرون إلى النار، والعرب يظنون أنهم لا يبعثون فهم لا يخافون ما بعد الموت وهم شجعان يقدمون على الموت كما قال عنترة بن شداد العبسي :
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٥٩٧
بكرت تخوفين المنون كأنني أصبحت عن عرض الحتوف بمعزل فأجبتها ان المنية منهل لا بد أن أسقى بذاك المنهل فافني حياتك لا أبا لك واعلمي أني امرؤ سأموت إن لم أقتل
ولما كان عدم تمنيهم علم من اعلام نبوته ﷺ لموافقته ما أخبر به، وكان ذلك فعل من يعتقد أن التمني يقدمه عن أجله وعدمه يؤخره، فصاروا بين التكذيب بما عندهم ونهاية البلادة، أمره ﷺ بتنبيههم على بلادتهم تبكيتاً لهم فقال :﴿قل﴾ وأكد إعلاماً لهم بأنه يلزم من فعلهم هذا إنكار الموت الذي لا ينكره أحد فقال :﴿إن الموت﴾ وزاد في التقريع والتوبيخ بقوله :﴿الذي تفرون منه﴾ أي بالكف عن التمني الذي هو أيسر ما يكون مع أنه يوصلكم إلى تكذيب من أنتم جاهدون في تكذيبه، وأكد وقوعه بهم لأن عملهم عمل من هو منكر له، وربطه بالفاء جعلاً لفرارهم كالسبب له، فإن الجبن من أسباب الموت مع ما يكسب من العار كما قال :" إن الجبار حتفه من فوقه " أي هو غالب عليه العالي على السافل فقال :﴿فإنه ملاقيكم﴾ أي مدرككم في كل وجه سلكتموه بالظاهر أو الباطن.