ولما كان التقدير مما ينطق به نص الخطاب : هذه أوامرنا الشريفة وتقديساتنا العظيمة وتفضلاتنا الكريمة العميمة، فما لهم إذا نودي لها توانى بعضهم في الإقبال إليها، وكان قلبه متوجهاً نحو البيع ونحوه من الأمور الدنيوية عاكفاً عليها ساعياً بجهده إليها فخالف قوله أنه أسلم لرب العالمين فعله هذا، عطف عليه قوله :﴿وإذا رأوا﴾ أي بعد الوصول إلى موطنها المريح ومحلها الفسيح الشرح المليح، والاشتغال بأنها العالي ﴿تجارة﴾ أي حمولاً هي موضع للتجارة.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٠١
ولما ذكر ما من شأنه إقامة المعاش أتبعه ما هو أنزل منه وهو ما أقل شؤونه البطالة التي لا يجنح إليها ذو قدر ولا يلقي لها باله فقال :﴿أول لهواً﴾ أي ما يلهي عن كل نافع.
ولما كان مطلق الانفضاض قبيحاً لأنه لا يكون إلا تقرباً على حال سيئ، فض الفم والطلع : كسرهما، فكيف إذا كانت علته قبيحة، قال تعالى معبراً به :﴿انفضوا﴾ أي نفروا متفرقين من العجلة.
ولما كان سبب نزول الآية أنه اكن أصاب الناس جوع وجهد، فقد دحية الكلبي رحمه الله تعالى بعير تحمل الميرة، وكان في عرفهم أن يدخلوا في مثل ذلك بالطبل والمعازف والصياح، وكان قصد بعض المنفضين العير، وبعضهم ما قارنها من اللهو،
٦٠٢
ولكن قاصد التجارة هو الكثر، أنث الضمير فقال معلماً بالاهتمام بها لأن اللهو مسبب عنها :﴿إليها﴾ وللدالة على أنه إذا ذم قاصدها مع ما فيها من النفع والإنسان لا بد له من إصلاح معاشه لقيام حاله ولا سيما والحاجة إذ ذاك شديدة، كان الذم لقصد اللهو نم باب الأولى.


الصفحة التالية
Icon