ولما كان ذلك حال الخطبة التي هي جديرة بشدة الإصغاء إليها والاتعاظ بها في صرف النفس عن الدنيا والإقبال على الآخرة قال :﴿وتركوك﴾ أي تخطب حتى بقيت في اثني عشر رجلاً، قال جابر رضي الله عنه : أنا أحدهم، ودل على مشروعية القيام بقوله :﴿قائماً﴾ فالواجب خطبتان : قائماً يفصل بينهما بجلوس، والواجب فيهما أن يحمد الله تعالى ويصلي على النبي ﷺ ويوصي بتقوى الله تعالى، هذه الثلاثة واجبة في الخطبتين معاً، ويجب أن يقرأ في الأولى آية من القرآن وفي الثانية أن يدعو للمؤمنين، فلو ترك واحدة من هذه الخمس لم تصح الخطبة عند الشافعي رضي الله عنه، ولجواز الجمعة خمس شرائط : الوقت وهو وقت الظهر، والعدد وهو الأربعون، والإمام والخطبة ودار الإقامة، فإن فقد شرط وجبت الظهر، ولا تبتدأ الخطبة إلا بعد تمام، وبقاء هذا العدد شرط إلى آخر الصلاة، فإن انفض بعضهم ثم عاد ولم يفته شيء من الأركان صحت.
ولما كان هذا فعل من سفلت همته عن سماع كلام الحق من الحق، أمره ﷺ بوعظهم إلهاباً لهم إلى الرجوع إلى تأهلهم للخطاب ولو بالعتاب قال :﴿قل﴾ أي لهم ترغيباً في الرجوع إلى ما كانوا عليه من طلب الخير من معدنه :﴿ما عند الله﴾ أي المحيط بجميع صفات الكمال من الأعراض العاجلة في الدنيا من واردات القلوب وبادر الحقيقة، الحاصل من سماع الخطبة الآمر بكل خير، الناهي عن كل شر، المفيد لتزكية الباطن وتقويم الظاهر والبركة في جميع الأحوال والآجلة في الآخرة مام لا يدخل تحت الوصف ﴿خير﴾ ولما قدم التجارة أولاً اهتماماً بها، قدم هنا ما كانت سبباً له ليصير كل منهما مقصوداً بالنهي فقال :﴿نم اللهو﴾ ولما بدأ به لإقبال الإغلب في حال الرفاهية عليه قال معيداً الجار للتأكيد :﴿ومن التجارة﴾ أي وإن عظمت.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٠١


الصفحة التالية
Icon