ولما كان من عنده الشيء قد لا يعطيه بسهولة وإذا أعطاه لا يعطيه إلا من يحبه قال :﴿والله﴾ أي ذو الجلال والإكرام وحده ﴿خير الرازقين *﴾ لأنه يرزق متاع الدنيا لسفوله ولكونه زاداً إلى الآخر البر والفاجر والمطيع والعاصي، ويعطي نم يريد ما لا يحصيه العد ولا يحصره الحد، وأما المعارف الإلهية والأعمال الدينية الدال عليها رونق الصدق وصفاء الإخلاص وجلالة المتابعة فلا يؤتيها إلا الأبرار وإن كانوا أضعف الناس
٦٠٣
وأبعدهم من ذلك ولا يفوت أحداً أقبل على ما شرعه شيئاً كان ينفعه فلا تظنوا أن الغنى في البيع والتجارة إنما هو في متابعة أمر من أحل البيع وأمر به وشرع ما هو خير منه تزكية وبركة ونماء في الظاهر والباطن، روى صاحب الفردوس عن انس بن مالك رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال :"من قال يوم الجمعة " اللهم أغنني بحلالك عن حرامك وبطاعتك عم معصيتك وبفضلك عمن سواك سبعين مرة لم تمر به جمعتان حتى يغنيه الله تعالى" وأصل الحديث أخرجه أحمد والترمذي - وقال حسن - عن علي رضي الله عنه، وفي الباب عن ابن عباس رضي الله عنهما، فأقبلوا على متابعة رسوله ﷺ وألزموا هدية واستمسكوا بغرزة تنالوا خيري الدارين بسهولة، فقد رجع آخر السورة كما ترى على أولها بما هو من شأن الملك من الرزق وإنالة الأرباح والفوائد ولا سيما إذا كان قدوساً وتبكيت من اعرض عن خطبة رسول الله ﷺ اللازم منه استمرار الإقبال عليه ودوام الإقامة بين يديه، لأنه لا يدعوهم إلا لما يحييهم من الصلاة والوعظ الذي هو عين تنزيه الله وتسبيحه ﴿يتلو عليهم آياته ويعلمهم الكتاب والحكمة﴾ [آل عمران : ١٦٤] يزكيهم ربهم ويزرقهم من فضله إنه كريم وهاب - والله أعلم بالصواب.
٦٠٤
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٠١


الصفحة التالية
Icon