ولما كانت المعاصي تعمي القلب فكيف بأعظمها، علله بقوله :﴿ذلك﴾ أي الأمر العظيم في البعد من الخير من الكذب بالإخبار بالشهادة والحلف على الصدق والصد عن السبيل والوصف لعملهم بالسوء ﴿بأنهم آمنوا﴾ أي بسبب أنهم أقروا بالإيمان بألسنتهم منغير مطابقة لقلوبهم.
ولما كان الكفر مستبعداً فكيف إذا كان بعد الإقرار، عبر بأداة البعد لذلك ولتفهم الذم على التعقيب من باب الأولى، ولئلا بتوهم أن الذم إنما هو على تعقيب الإيمان بالكفر فقط، لا على مطلقه، فالعبير بثم يفهم أن من استمر طول عمره على الإيمان ثم كفر قبل موته بلحظة كان له هذا الذم فقال :﴿ثم كفروا﴾ أي سراً فهابوا الناس ولم يهابوا الله.
ولما كان مجرد الطبع على القلب في غاية البشاعة، كان مفهماً لبشاعة ما كان منه من الله من باب الأولى، بني للمجهول قوله :﴿فطبع﴾ أي فحصل الطبع وهو الختم مع أنه معلوم أنه لا يقدر على ذلك غيره سبحانه ﴿على قلوبهم﴾ لأجل اجترائهم على ما هو أكبر الكبائر على وجه النفاق حتى مرنوا على الكفر واستحكموا فيه، وكذلك من ترك الجمعة ثلاثة مرات تهاوناً بها ﴿فهم﴾ أي فتسبب عن ذلك أنهم ﴿لا يفقهون *﴾ أي لا يقع لهم فقه في شيء من الأشياء فهم لا يميزون صواباً من خطأ ولا حقاً من باطل لأن المختوم عليه لا يصل إليه شيء ولا يخرج منه شيء.