ولما وصف سبحانه بواطنهم بما زهد فيهم لأن الإنسان بعقله كما أن المأكول بشكله، وكانت لهم أشكال تغز ناظرها لأن العرب كانت تقول : جمال المنظر يدل غالباً على حسن المخبر، قال تعالى :﴿وإذا رأيتهم﴾ أي أيها الرسول على ما لك من الفطنة ونفوذ الفراسة أو أيها الرائي كائناً من كان بعين البصير ﴿تعجبك أجسامهم﴾ لضخامتها وصباحتها، فإن غايتهم كلهم بصلاح ظواهرهم وترفيه أنفسهم، فهم أشباح وقوالب ليس وراءها ألباب وحقائق، قال ابن عباس رضي الله عنهما : كان ابن أبي - يعني - الذي نزلت السورة بسببه - جسيماً فصيحاً صحيحاً ذلق اللسان، وقوم من المنافقين في مثل صفته وهم رؤساء المدينة، وكانوا يحضرون مجلس رسول الله ﷺ ويستندون فيه ولهم جهارة المناظرة وفصاحة الألسن، وكان رسول الله ﷺ ومن حضر يعجبون بهياكلهم.
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٠٨
ولما وصف البواطن والظواهر، وكان قوله : المرء بأصغيره قلبه ولسانه مشروطاً كما
٦٠٨
هو ظاهر العبارة بمطابقة اللسان للقلب، قال معبراً بأداة الشك إشارة إلى أنهم لا يكلمونه ﷺ إلا اضطراراً لأنهم لا يحبون مكالمته ولا باعث لهم عليها لما عندهم من أمراض القلوب :﴿وإن يقولوا﴾ أي يوجد منهم قول في وقت من الأوقات ﴿تسمع لقولهم﴾ أي لأنه يكون بحيث يلذذ السمع ويروق الفكر لما فيه من الادهان مع الفصاحة فهو يأخذ بمجامع القلب.
ولما اخبر عن ظاهرهم، دل على أن ذلك الظاهر أمر لا حقيقة له، أنهم لما وطنوا أنفسهم على الوقاحة وخلعوا لباس الحياء بالكذب بذلوا جميع الجهد في تحسين القول لأنه لا درك عليهم فيه فيما يحسبون بوجه لأنهم لا يحسبون للآخرة حساباً فقال :﴿كأنهم﴾ أي في حسن ظواهرهم وسوء بواطنهم وفي الجبن والخور وعدم الانتفاع بهم في شيء من فهم أو ثبات فإنهم لا حقيقة لهم ﴿خشب﴾ ن جمع كثرة لخشبة وهو دليل على كثرتهم.


الصفحة التالية
Icon