ولما تقدم عاملان، أعمل الثاني منهما كما هو المختار من مذهب البصريين فرفع قوله :﴿رسول الله﴾ أي أقرب الخلق إلى الملك الأعظم الذي لا شبيه لجوده ﴿لووا رؤوسهم﴾ أي فعلوا اللي بغاية الشدة والكثرة، وهو الصرف إلى جهة أخرى إعراضاً وعتواً وإظهاراً للبغض والنفرة، وبالغوا فيه مبالغة تدل على أنهم مغلوبون عليه لشدة ما في بواطنهم من المرض ﴿ورأيتهم﴾ أي بعين البصيرة ﴿يصدون﴾ أي يعرضون إعراضاً قبيحاً عما دعوا إليه مجددين لذلك كلما دعوا إليه، والجملة في موضع المفعول الثاني لرأيت ﴿وهم مستكبرون *﴾ أي ثابتوا الكبر عما دعوا إليه وعن إحلال أنفسهم في محل الاعتذار، فهم لشدة غلظتهم لا يدركون قبح ما هم عليه ولا يهتدون إلى دوائه، وإذا أرشدهم غيرهم ونبههم لا ينبهون، فقد روي أنه لما نزل القرآن فيهم أتاهم شائرهم من المؤمنين وقالوا : ويحكم افتضحتم واهلكتم أنفسكم، فأتوا رسول الله ﷺ وتولوا إليه واسألوه أن يستغفر لكم، فأبوا ذلك فأنزل الله هذه الآية، وروي أن ابن أبي رأسهم لوى رأسه وقال لهم : أشرتم علي بالإيمان فآمنت وأشرتم عليّ بأن أعطي زكاة مالي ففعلت، ولم يبق إلا أن تأمروني بالسجود لمحمد.
ولما كان النبي ﷺ يحب صلاحهم فهو يحب أن يستغفر لهم، وربما ندبه إلى ذلك
٦١٠
بعض أقاربهم، فكان استغفاره بحيث يسأل عنه، قال منبهاً على أنهم ليسوا بأهل للاستغفار لأنهم لا يؤمنون.
﴿
جزء : ٧ رقم الصفحة : ٦٠٨
سواء﴾ أي غلب واستعلى هذا الاستواء الذي عالجوا أنفسهم عليه حتى تخلقوا به فصار مجرداً عن أدنى ميل وكلفة ﴿عليهم﴾.