وإشارة إلى أنه لو كان رسوله وهو الغنى المطلق لأغنى أصحابه ولم يحوجهم إلى أن ينفق الناس عليهم، وما درى الأغبياء أن ذلك امتحان منه سبحانه لعباده - فسبحان من يضل من يشاء - حتى يكون كلامه أبعد شيء عن الصواب بحيث يعجب العاقل كيف يصدر ذلك من إحد، أو أن هذه ليست عبارتهم وهو الظاهر، وعبر سبحانه عنهم بذلك إشارة إلى أن كلامهم يؤول إلى إرادة ضر من الله معه توقيفاً على كفرهم وتنبيهاً على أن من أرسل رسولاً لا يكله إلى أحد بل يكفيه جميع ما يهمه من غير افتقار إلى شيء أصلاً، فقد أرسل سبحانه إليه ﷺ بمفاتيح خزائن الأرض فأباها وما كفاهم هذا الجنون حتى زادوه ما ظنوا أن أبواب الرزق تغلق إذا امتنع المنفقون من الناس عن إنفاقهم، وعبروا بحرف غياية ليكون لما بعده حكم ما قبله فقالوا :﴿حتى نفضوا﴾ أي يتفرقوا تفرقاً قبيحاً فيه كسر فيذهب أحد منهم إلى إهله وشغله الذي كان له قبل ذلك، قال الحرالي :" حتى " كلمة تفهم غاية محوطة يدخل ما بعدها في حكم ما قبلها مقابل معنى " إلى "، وقال أهل العربية : لا يجر بها إلى آخر أو متصل بالآخر نحو الفجر في ﴿حتى مطلع الفجر﴾ [القدر : ٥] وحتى آخر الليل، ولا تقولوا : حتى نصف الليل، وما درى الأجلاف أنهم لو فعلوا ذلك أتاح الله غيرهم للانفاق، او أمر رسوله ﷺ فدعا في الشيء اليسير فصار كثيراً، أو كان بحيث لا ينفد، أو أعطى كلاًّ يسيراً من طعام على كيفية لا تنفد معها كتمر أبي هريرة وشعير عائشة وعكة أم أيمن رضي الله عنهم وغير ذلك كما روي ذلك غير مرة، ولكن ليس لمن يضل الله من هاد، ولذلك عبر في الرد عليهم بقوله :﴿ولله﴾ أي قالوا ذلك واستمروا على تجديد قوله والحال أن للملك الذي لا أمر لأحد معه فهو الآمر الناهي ﴿خزائن السماوات﴾ أي كلها ﴿والأرض﴾ كذلك من الأشياء التي أوجدها فهو يعطي من يشاء منها ما يشاء حتى من أيديهم، لا يقدر أحد على منع شيء من ذلك لا مما في يده


الصفحة التالية
Icon