وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تضمنت سورة حم السجدة وسورة الشورى من ذكر الكتاب العزيز ما قد أشير إليه مما لم تنطو سورة غافر على شيء منه، وحصل من مجموع ذلك الإعلام بتنزيله من عند الله وتفصيله وكونه قرآناً عربياً إلى ما ذكر تعالى من خصائصه إلى قوله ﴿وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون﴾ [الزخرف : ٤٤] وتعلق الكلام بعد هذا بعضه ببعض إلى آخر السورة، افتتح تعالى سورة الدخان بما يكمل ذلك الغرض، وهو التعريف بوقت إنزاله إلى سماء الدنيا فقال تعالى :﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة﴾ ثم ذكر من فضلها فقال ﴿فيها يفرق كل أمر حكيم﴾ فحصل وصف الكتاب بخصائصه والتعريف بوقت إنزاله إلى سماء الدنيا وتقدم الأهم من ذلك في السورتين قبل، وتأخر التعريف بوقت إنزاله إلى السماء الدنيا إذ ليس في التأكيد كالمتقدم، ثم وقع إثر هذا تفصيل وعيد قد أجمل في قوله تعالى ﴿فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون﴾ وما تقدمه من قوله ﴿أم أبرموا أمراً فإنا مبرمون﴾ وقوله سبحانه ﴿أم يحسبون أنا نسمع سرهم ونجواهم﴾ وتنزيهه سبحانه وتعالى نفسه عن عظيم افترائهم في جعلهم الشريك والولد - إلى آخر السورة، ففصل بعض ما أجملته هذا الآي في قوله تعالى في صدر سورة الدخان ﴿فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين﴾ وقوله تعالى ﴿يوم نبطش البطشة الكبرى﴾، والإشارة إلى يوم بدر، ثم ذكر شأن غيرهم في هذا وهلاكهم بسوء ما ارتكبوا ليشعروا أن لا فارق إن هم عقلا واعتبروا، ثم عرض بقرنهم في مقالته ما بين لابتيها أعز مني ولا أكرم، ثم ذكر تعالى :﴿شجرة الزقوم﴾ إلى قوله :﴿ذق إنك أنت العزيز الكريم﴾ والتحم هذا كله التحاماً يبهر العقول، ثم اتبع بذكر حال المتقين جرياً على المطرد من شفع الترغيب والترهيب ليبين حال الفريقين وينتج علم الواضح من الطريقين، ثم قال لنبيه ﷺ ﴿فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون﴾ وقد
٦٣


الصفحة التالية
Icon