ولما وصفها بالفوران، بين سببه تمثيلاً لشدة اشتعالها عليهم فقال :﴿تكاد تميز﴾ أي تقرب من أن ينفصل بعضها من بعض كما يقال : يكاد فلان ينشق من غيظه وفلان غضب فطارت شقة منه في الأرض وشقة في السماء - كناية عن شدة الغضب ﴿من الغيظ﴾ أي عليهم، كأنه حذف إحدى التائين إشارة إلى أنه يحصل منها افتراق واتصال على وجه من السرعة لا يكاد يدرك حق الإدراك، وذلك كله لغضب سيدها، وتأتي يوم القيامة تقاد إلى المحشر بألف زمان لكل زمام سبعون ألف ملك يقودونها به، وهي شدة الغيظ تقوى على الملائكة وتحمل على الناس فتقطع الأزمة جميعاً وتحطم أهل المحشر فلا يردها عنهم إلا النبي ﷺ يقابلها بنوره فترجع مع أن لكل ملك من القوة ما لو أمر به أن يقتلع الأرض وما عليها من الجبال ويصعد بها في الجو فعل من غير كلفة، وهذا كما أطفأها في الدنيا بنفخة كما رواه الجماعة إلا الترميذ وهذا لفظ أبي داود عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال :"انكسفت الشمس على عهد رسول الله ﷺ - فذكر صلاته إلى أن قال : ثم نفخ في آخر سجوده.
فقال : أف أف ألم تعدني أن لا تعذبهم وأنا فيهم وهم يستغفرون" وفي رواية النسائي أنه قال : قال ﷺ :"لقد أدنيت مني النار حتى جعلت ألفتها خشية أن تغشاكم"
٧١
ولما ذكر سبحانه حالها، أتبعه حالهم في تعذيب القلب باعتقادهم أنهم ظلمة على وجه، بين السبب في عذابهم زجراً عنه فقال :﴿كلما﴾ ولما كان المنكىئ مجرد الإلقاء بني للمفعول دلالة على ذلك وعلى حقارتهم بسهولة إلقائهم قوله :﴿إلقي فيها﴾ أي جهنم بدفع الزبانية بهم الذين هم أغيظ عليهم من النار ﴿فوج﴾ أي جماعة هم في غاية الإسراع موجفين مضطربي الأجواف من شدة السوق ﴿سألهم﴾ أي ذلك الفوج ﴿خزنتها﴾ أي النار سؤال توبيخ وتقريع وإرجاف.


الصفحة التالية
Icon