ولما كان كأنه قيل : ما كان سؤالهم ؟ قال : قالوا موبخين لهم مبكتين محتجين عليهم في استحقاقهم العذاب زيادة في عذابهم بتعذيب أرواحهم بعد تعذيب أشاحهم :﴿ألم يأتكم﴾ أي في الدنيا ﴿نذير *﴾ أي يخوفكم هذا العقار ويذكركم بما حل بكم وبما حل ممن قبلكم من المثلاث، لتكذيبهم بالآيات، ويقرأ عليكم الكتب المنزلات ﴿قالوا بلى﴾ ولما طابق هذا الجواب فتوقع السامع إيضاحه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٧١
افصحوا بما أفهمه وشرحوه تأسفاً على أنفسهم مما حل بهم وتحسراً فقالوا :﴿قد جاءنا﴾ وأظهروا موضع الإضمار تأكيداً وتنصيصاً فقالوا :﴿نذير *﴾ أي مخوف بليغ التحذير ﴿فكذبنا﴾ أي فتسبب عن مجيئه أننا أوقعنا التكذيب بكل ما قاله النذير ﴿وقلنا﴾ أي زيادة في التكذيب والنكاية له والعناد الذي حل شؤمه بنا :﴿ما نزل الله﴾ أي الذي له الكمال كله عليكم ولا على غيركم، ولعل التعبير بالتفعيل إشارة إلى إنكارهم الفعل بالاختيار الملازم للتدريج - تعالى الله عن ذلك علواً كبيارً، وأرقنا في النفي فقلنا :﴿من شيء﴾ لا وحياً ولا غيره، وما كفانا هذا الفجور حتى قلنا مؤكدين :﴿إن﴾ أي ما.
ولما كان تكذيبهم برسول واحد تكذيباً لجميع الرسل قالوا عناداً :﴿أنتم﴾ أي أيها النذر المذكورون في " نذير " المراد به الجنس، وفي خطاب الجمع إشارة إيضاً إلى أن جواب الكل للكل كان متحداً مع افتراقهم في الزمان حتى كأنهم كانوا على ميعاد ﴿إلا في ضلال﴾ أي بعد عن الطريق وخطأ وعمى محيط بكم ﴿كبير *﴾ فبالغنا في التكذيب والسفه بالاستجهال والاستخفاف.
ولما حكى سبحانه ما قالوه للخزنة تحسراً على أنفسهم حكى ما قالوه بعد ذلك فيما بينهم زيادة في التحزن ومقتاً لأنفسهم بأنفسهم فقال تعالى :﴿وقالوا﴾ أي الكفرة في توبيخ أنفسهم :﴿لو كنا﴾ أي بما هو لنا كالغريزة.


الصفحة التالية
Icon