﴿مكباً﴾ أي داخلاً بنفسه في اكب وصارا إليه، وهو السقوط ﴿على وجهه﴾ وهو كناية عن السير على رسم مجهول وأثر معوج معلول، على غيره عادة العقلاء لخلل في أعضائه، واضطراب في عقله ورأيه، فهو كل حين يعثر فيخر على وجهه، لأنه لعدم نظره يمشي في أصعب الأماكن لإمالة الهوى له عن المنهج المسلموك، وغلبة الجهل عليه فهو بحيث لا يكون تكرار المشاق عليه زاجراً له عن السبب الموقع له فيه، ولم يسم سبحانه وتعالى ممشاه طريقاً لأنه لا يستحق ذلك.
ولما كان ربما صادف السهل لا عن بصيرة بل اتفاقاً قال :﴿أهدى﴾ أي أشد هداية ﴿أمّن يمشي﴾ دائماً مستمراً ﴿سوياً﴾ قائماً رافعاً رأسه ناصباً وجه سالماً من العثار لأنه لانتصابه يبصر ما أمامه وما عن يمينه وما عن شماله ﴿على صراط﴾ أي طريق موطأ واسع مسلوك سهل قويم ﴿مستقيم *﴾ أي هو في غاية القوم، هذا مثل من رضي بالله رباً وبالإسلام ديناً فإنه يتبع الفطرة الأولى السليمة عن شهوة أو غضب أو شائبة حظ، والأول مثل الكافر، حاله في سيره إلى الله حال المكب أي كب نفسه بغاية الشهوة على وجهه، لا يرى ما حوله ولا يشعر بما أحاط به، ولا ينظر في الآيات ولا يعتبر بالمسموعات، فهو اليوم شيء باطن لظهر يوم القيامة فيحشر على وجهه إلى النار جزاء لرضاه بحالته هذه في هذه الدار فيظهر له سبحانه ما أبطن له اليوم، والمؤمن بخلاف ذلك فيهما، والآية من الاحتباك : ذكر الكب أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والمستقيم ثانياً دليلاً على المعوج أولاً، وسره أنه ذكر أنكأ ما للمجرم وأسر ما للمسلم.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ٨٠


الصفحة التالية
Icon