ولما كان كل من يتصف بهذه الدنايا التي من شأنها إبعاد الناس عنه ونفرتهم منه يسعى في سترها إن كان عاقلاً بلين وتواضع وخداع وسهولة انقياد، بين أن هذا على غير ذلك فقال منبهاً على هذا بالعبدية :﴿عتل﴾ أي أكول شديد الخصومة جاف غليظ في خلقه وخلقه ثقيل مر، كأنه قطعة جبل قد انقطع عن سائره لا ينجر إلى خير إلا بعسر وصعوبة وعنف، من عتله - إذا قاده بغلظة، فهو في غاية ما يكون من يبس الطباع وعدم الطواعية في الخير والانطباع، قال الرازي : وسئل عنه رسول الله ﷺ - أي عن العتل - فقال :"هو الشديد الخلق الرحيب الجوف الأكول الشروب الظلوم" ونبه سبحانه على ثباته في تلك المخازي الموجب لاستغراق أوقاته وأحواله بها بنزع الخافض فقال :﴿بعد ذلك﴾ الخلق الجدير بتكلف الإبعاد عنه الذي تجمع من هذه الأوصاف التي بلغت نهاية القباحة حتى صارت كأنه خلق واحد ثابت راسخ لا حيلة له في مداواته، وعلى ذلك نبه قوله :﴿زنيم *﴾ أي صارت له علامة سوء وشر وثنا قبيح ولأمة بينه ومعرفة يعرف بها كما تعرف الشاة بزنمتها.
وهي الجلدة التي تكون تحت حلقها مدلاة تنوس، والعبد بمعايبه وسفساف أخلاقه، وقيل : هو الذي يتشبه بقوم وليس منهم في شيء، ولا يخلو التعبير به من إشارة إلى أنه دعي ليس ثابت النسب إلى من ينتسب إليه، ليكون منقطعاً عن كل خير وغن كان ينسب إلى آباء كرام، أخذاً من زنمة البعير، وهي جلدة تقطع من أذنه فتترك معلقة، ولا يفعل ذلك إلا بكرام الإبل، وهذه الأفعال كلها تنافي الشجاعة المقتضية لإحسان صابحها إلى كل أحد وأن لا يحسب له حساباً ولا يوصل إليه أذى إلا بعد ظهور شره فيعامله حينئذ بحسب العدل بما لا يرزئ بالمروءة والمشار إليه بهذا مع إرادة العموم قيل : الوليد بن المغيرة، وقيل : الأخنس بن شريق، وقيل : الأسود بن عبد يغوث، وقال ابن قتيبة : لا نعلم أن الله تعالى وصف أحداً ولا ذكر من عيوبه ما ذكر من عيوب الوليد بن المغيرة.