ولما كانت العادة قاضية بأنه لا بد أن ينسى الإنسان شيئاً أو يقفل باباً أو ثغرة يدخل منه وبسببه فقير قالوا :﴿اليوم﴾ أي في جميع النهار - بما دل عليه نزع الخافض - لتكروا عليه مراراً وتفتشوا فلا تدعوا فيه ثمرة واحدة ولا موضعاً يطمع بسببه أحد في قصدكم ﴿عليكم﴾ أي وأنتم بها ﴿مسكين *﴾ وهو نهي للمسكين في اللفظ للمبالغة في نهي أنفسهم أن لا يدعوه يدخل عليهم، فقال لهم أوسطهم سناً وخيرهم نفساً وأعدلهم طبعاً بما دل عليه ما يأتي : لا تقولوا هكذا واصنعوا من الإحسان ما كان يصنع أبوكم، وكأنه طواه سبحانه لأنه مع الدلالة عليه بما يأتي لم يؤثر شيئاً، وأكد كون انطلاقهم حال الإصباح بقوله :﴿وغدوا﴾ أي ساروا إليها غدوة ﴿على حرد﴾ لا غيره وهو القصد وشدة الغضب مع الجزم بالأمر واللجاج فيه والسرعة والنكد بالمنع وقلة الخير، من حاردت السنة أي لم يكن فيها مطر، والإبل : منعت درها، وحرد - إذا أسرع ﴿قادرين *﴾ عند أنفسهم وفي زعمهم بدليل عدم استثنائهم فإن الجزم على الفعل في المستقبل فضلاً عن أن يكون مع الخلف فعل من لا كفؤ له، ودل على قربها من منزلهم بالفاء فقال :﴿فلما رأوها﴾ أي بعد سير يسير وليس للزرع ولا للثمر بها أثر ﴿قالوا﴾ لأنها صارت لسوء حالها من ذلك الطائف بعيد من حال ما كانت عليه عند تباعدهم وتغيير نياتهم فأدهشهم منظرها وحيرهم خبرها، وأكدوا لأن ضلالهم لا يصدق مع قرب عهدهم بها وكثرة ملابستهم لها وقوة معرفتهم بها فقالوا :﴿إنا لضالون *﴾ أي عن طريق جنتان لأن هذه لا تشبهها بوجه فيما كان فيه بالأمس من النضارة وشدة الحمل وحسن الهئة.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٥