ولما دل هذا الدعاء على إقبالهم على الله وحده صرحوا وأكدوا لأن حالهم الأول كان حال من ينكر منه مثل ذلك فقالوا معللين :﴿إنا﴾ ولما كان المقام للتوبة والرجوع عن الحوبة، عبروا بأداة الانتهاء إشارة إلى بعدهم عن الحضرات الربانية تأدباً منهم فقالوا :﴿إلى ربنا﴾ أي المحسن إلينا والمربي لنا بالإيجاد ثم الإبقاء خاصة لا إلى غيره سبحانه ﴿راغبون *﴾ أي ثابتة رغبتنا ورجاؤنا الخير والإكرام بعد العفو، وقد قيل إن الله تعالى جلت قدرته قبل رجوعهم وأخلف عليهم فأبدلهم جنة يقال لها الحيوان بحيث كان القطف الواحد منها يحمله وحده من كبره البغل - رواه البغوي عن ابن مسعود، ولكن لما كان المقام لترهيب من ركن إلى ماله واحتقر الضعفاء من عباد الله ولم يجلهم بجلاله طواه، وذكر ما صور هذا الكلام وأنتجه من مساواة حال قريش وحال هؤلاء في الإحسان وطول الحلم مع احتقار أوليائه والتقوى عليهم بأفضاله ونعمائه، فقال مرهباً :﴿كذلك﴾ أي مثل هذا الذي بلونا به أصحاب الجنة من إهلاك ما كانوا عند أنفسهم في غاية ا لقدرة عليه والثقة به مع الاستحسان منهم لفعلهم والاستصواب وهددنا به أهل مكة فلم يبادروا إلى المتاب :﴿العذاب﴾ الذي تحذرهم منه وتخوفهم به في الدنيا، فإذا تم الأجل الذي قردنهاه له أخذناهم به غير مستعجلين ولا مفرطين لأنه لا يعجل إلا ناقص يخاف الفوت.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٧
ولما كانوا منكرين لأمور الآخرة أشد من إنكارهم لأمور الدنيا أكد قوله :﴿ولعذاب الآخرة﴾ أي الذي يكون فيها للعصاة والجبارين ﴿أكبر﴾ أي في كل ما يتوهمونه.