ولما نبههم على أنه ليس لهم في مثل هذه الأحكام شيء يمكن أن يكون نافعاً، وكان العاقل إذا علم أن شيئاً من الأشياء لا نفع فيه بعد منه، أنكر عليهم ثالثاً حال أحكامهم هذه لأن نفي أحوالها أشد لنفيها كما تقدم في ﴿كيف تكفرون﴾ في [البقرة : ٢٨] فقال :﴿كيف تحكمون *﴾ أي أيّ عقل دعاكم إلى هذا الحكم الذي يتضمن التسوية من السيد بين المحسن من عبيده والمسيء.
ولما كان الحكم لا يمكن وجوده إلا مكيفاً بكيفية، وكان سبحانه وتعالى قد نفى حكمهم هذا بإنكار جميع كيفياته التي يمكن أن يصح معها، وكان الحكم الصحيح لا بد وأن يكون مستنداً إلى عقل أو نقل، زاد بطلان حكمهم وضحاً بنفي الأمرين معاً، فقال عاطفاً على ما تقديره : ألكم دليل من العقل إليه تلجؤون :﴿أم لكم كتاب﴾ أي سماوي معروف أنه من عند الله خاص بكم ﴿فيه﴾ أي لا في غيره من أساطير الأولين وبر الممحوقين ﴿تدرسون *﴾ أي تقرؤون قراءة أتقنتم مخالطتها أو أنعمتم فهمه بسببها.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٧
ولما ذكر المدروس فقال تعالى :﴿إن لكم﴾ أي خاصة على وجه التأكيد الذي لا رخصة في تركه ﴿فيه﴾ أي الكتاب لتكونوا في غاية الوثوق به، لا في غيره مما لا وثوق لكم به ﴿لما تخيرون *﴾ أي تبالغون في انتقائه وأخذ خياره، وكسر الهمزة وكان حقها الفتح لولا اللام لأن ما بعدها هو المدروس، ويجوز أن تكون الجملة حكاية للمدروس وأن تكون استئنافية.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٠٧


الصفحة التالية
Icon