ولما علم بهذا أنه سبحانه المتصرف وحده بما يشاء كيف يشاء من المنع والتمكين، وكان النبي ﷺ يجد من تكذيبهم له - مع إتيانه بما لا يحتمل التكذيب بوجه - من المشقة ما لا يعلم مقداره إلا الله سحبانه وتعالى، وكان علم المغموم بأن له منقذاً يخفف عنه، وكان علمه باقتداره على ما يراد منه أقر لعينه سبب عن كمال اقتداره قوله مخففاً عنه عليه أفضل الصلاة والسلام، لافتاً القول إلى التكلم بالإفراد تنصيصاً على المراد زيادة في تسكين القلب وشرح الصدر :﴿فذرني﴾ أي اتركني على أي حالة اتفقت ﴿ومن يكذب﴾ أي يوقع التكذيب لمن يتلو ما جددت إنزاله من كلامي القديم على أي حالة كان إيقاعه، وأفرد الضمير نصاً على تهديد كل واحد من المكذبين :﴿بهذا الحديث﴾ أي بسببه أي خل بيني وبينهم وكل أمرهم إليَّ ولا تكترث بشيء منه أصلاً فإني أكفيكهم لأنه لا مانع منهم فلا تهتم بهم أصلاً.
ولما كان كأنه قيل : وماذا تعمل فيه إذا خليت بينك وبينه ؟ أجابه بقوله جامعاً
١١٣
الضمير ليكون الواحد مهدداً من باب الأولى :﴿سنستدرجهم﴾ أي فنأخذهم بعظمتنا عما قليل على غرة بوعد لا خلف فيه وندنيهم إلى الهلاك درجة بواسطة من شئنا من جنودنا وبغير واسطة بما نواتر عليهم من النعم التي توجب عليهم الشكر فيجعلونها سبباً لزيادة الكفر فنوجب لهم النقم.