المضاف المحذوف من الحال ونحوها، أو يكون التقدير : لا يكن حالك كحاله يحصل لك مثل ما حصل له حين ﴿نادى﴾ أي ربه المربي له بإحاسنه في الظلمات من بطن الحوت وظلمة ما يحيط به من الجثة وظلمة لحج البحار ﴿وهو﴾ أي والحال أنه عند ندائه ﴿مكظوم *﴾ أي مملوء كرباً وهماً وشدة وغماً محمول على السكوت ببطنه فهو لا ينطق من شدة حزنه، ومحبوس عن جميع ما يريد من التصرف إلى أن ألجأه سبحانه بذلك إلى الدعاء والتضرع، من الكظم، وهو السكوت عن امتلاء وتجرع للمرارات، ومن هذا كظمت السقاء أي شددته وملأته فكان مكظوماً، والمكظوم : المكروب - كأنه قد أخذ بكظمه وهو مخرج نفسه.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١١٣
ولما تشوف السامع إلى ما كان من أمره بعد هذا الأمر العجيب قال :﴿لولا أن﴾ وعظم الإحسان بالتذكير وصيغة التفاعل فقال :﴿تداركه﴾ أي أدركه عظيماً كان كلاًّ من النعمة والمنة يريد أن تدرك الآخر ﴿نعمة﴾ أي عظيمة جداً ﴿من ربه﴾ أي الذي أرسله وأحسن إليه بإرساله وتهذيبه للرسالة والتوبة عليه والرحمة له ﴿لنبذ﴾ أي لولا هذه الحالة السنية التي أنعم الله عليه بها لطرح طرحاً هيناً جداً ﴿بالعراء﴾ أي الأرض القفر التي لا بناء فيها ولا نبات، البعيدة من الإنس حين طرح فيها كما حكم بذلك من الأزل ﴿وهو﴾ أي والحال أنه ﴿مذموم *﴾ أي ملوم على الذنب، ولما كان التقدير : ولكنه تداركه بالنعمة فلم يكن في نبذه ملوماً، سبب عنه قوله :﴿فاجتباه﴾ أي أختاره لرسالته ﴿ربه﴾ ثم سبب عن اجتبائه قوله :﴿فجعله من الصالحين *﴾ أي الذين رسخوا في رتبة الصلاح فصلحوا في أنفسهم للنبوة والرسالة وصلح بهم غيرهم، فنبذ بالعراء وهو محمود، ومن صبر أعظم من صبره كان أعظم أجراً من أجره، وأنت كذلك فأنت أشرف العاملين والعالمين.


الصفحة التالية
Icon