وقال الإمام أبو جعفر ابن الزبير : لما بنيت سورة ﴿ن والقلم﴾ على تقريع مشركي قريش وسائر العرب وتوبيخهم وتنزيه نبي الله ﷺ عن شنيع قولهم وقبيح بهتهم، وبين حسدهم وعداوتهم ﴿وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم﴾ [القلم : ٥١] أتبعت بسورة الحاقة وعداً لهم وبياناً أن حالهم في سوء ذلك المرتكب قد سبق إليه غيرهم ﴿كذبت ثمود وعاد بالقارعة﴾ الحاقة : ٤] ﴿فهل ترى لهم من باقية﴾ [الحاقة : ٨] ﴿ألم يروا كم أهلكنا قبلهم من قرن﴾ [الأنعام : ٦] ﴿فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم﴾ [يونس : ١٠٢]، و﴿كم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً﴾ [مريم : ٩٨] فسورة الحاقة جارية مجرى هذه الآي المعقب بها ذكر عناد مشركي العرب ليتعظ بها من رزق التوفيق لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية.
ولما ذكر حال من هلك من الأمم السالفة بسوء تكذيبهم وقبيح عنادهم، أتبع ذلك
١٢٠
بذكر الوعيد الأخراوي ﴿يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية﴾ [الحاقة : ١٨] ثم عاد الكلام إلى ما بنيت عليه سورة ﴿ن والقلم﴾ من تنزيهه ﷺ وتكريمه مقسماً على ذلك ﴿إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر - ولا بقول كاهن قليلاً ما تذكرون﴾ [الحاقة : ٤١، ٤٢] وانتهى نفي ما تقوله منصوصاً على نزاهته عن كل خلة منها في السورتين ﴿ما أنت بنعمة ربك بمجنون﴾ [القلم : ٢] وما الذي جئت به بقول شاعر ولا بقول كاهن بل هو تنزيل من رب العالمين، وأنه لتذكره للمتقين وإنه لحق اليقين، فنزه ربك وقدسه من عظيم ما ارتكبوه - انتهى.