ولما كانت حقيقة الحساب ذكر الأعمال والمجازاة عليها، وكان الآدمي - لأنه مجبول على النقص - لا يقدر أن يقدر الله حق قدره، وكلما كان الإنسان أعلى كان الاستشعار والنقص من نفسه أكثر، وكان من نوقض الحساب - كما قال النبي ﷺ - عذب، قال مؤكداً لأن من يرى حاله وكتابه ينكر أن يكون له ذنب أو منه تقصير :﴿إني ظننت﴾ أي في هذا اليوم خوفاً من من سوء أعمالي التي أعرها من نفسي ﴿أني ملاق﴾ أي ثابت لي ثباتاً لا ينفك أني ألقى بين يدي الديان ﴿حسابيه *﴾ لأني كنت جامعاً كما أمرت بين الخوف والرجاء، فأخاف أن يقابل بين حسناتي وبين النعم فلا تقوم لي أصغر نعمة فأعذب على سيئاتي وأرجوا غفرانه، فحقق سبحانه رجائي وأمن خوفي، فعلمت الآن أني لا أناقش الحساب، وإنما حسابي العرض وهو الحساب اليسير بأن تعرض أعمالي فلا أجازى على سيئها وأثاب على حسنها مناً ورحمة وفضلاً ونعمة، ويجوز أن يكون الظن في الدنيا، عبر به عن اليقين إشارة إلى أنه يكفي العاقل في الخوف الحامل له على العمل ظن الخطر، وفيه إشعار بهضم النفس لأن الإنسان لا ينفك عن خطرات من الشبه تعرض له وتهجم عليه وإذان بأن مثل ذلك لا يقدح في الجزم بالاعتقاد وتنبيه على أنه يكفي في إيجاب العمل الظن فيكون حينئذ تعليلاً لإعطاء الكتاب باليمين، وفيه تبكيت للكفار ونداء عليهم بأنهم لم يصلوا في هذا الأمر المحقق إلى مرتبة الظن، فكيف بالمحقق من العلم فأهملوا العمل له فخالفوا.
ولما كان تقدير هذا واضحاً، سبب عند ما تأثر عن الحساب اليسير من إعطاء الثواب فقال :﴿فهو في عيشة﴾ أي حالة من العيش.
ولما كان الرضى بالشيء لا يكون إلا إذا بلغ نهاية السؤل وغاية المأمول، قال مسنداً الرضا إلى العيش كناية عن رضا صاحبها على الوجه الأبلغ :﴿راضية *﴾ أي ثابت له الرضا ودائم لها لأنها في غاية الحسن والكمال، والعرب لا تعبر عن أكثر
١٣١