السعادات بأكثر من العيشة الراضية بمعنى أن أهلها راضون بها، والمعتبر في كمال اللذة الرضى أو أنه لو كان للعيشة عقل لرضيت لنفسها بحالتها.
ولما شوق سبحانه إلى حال صاحب هذه العيشة، وكانت أمراً إجمالياً، فصلها وبينها بالإبدال منها زيادة في التشويق فقال :﴿في جنة﴾ أي بساتين جامعه لجميع ما يراد منها.
ولما كان شرف المسكن العلو قال :﴿عالية *﴾ أي في المكان والمكانة والأبنية والدرجات والأشجار وكل اعتبار.
ولما كان من شأن المعالي عسر الوصلو إليه قال :﴿قطوفها﴾ أي جمع كثرة لقطف - بالكسر وهو ما يجنى من الثمرات المجتمعة في عرق من عروقه ﴿دانية *﴾ أي قريبة المأخذ سهلة التناول جداً، لراكب والقائم والقاعد والمضطجع، كل ذلك على حد سواء دائماً من غير انقطاع ولا كلفة على أحد من أهلاه في تناول شيء من ذلك.
جزء : ٨ رقم الصفحة : ١٣٠
ولما كان كون الثمار بهذه الصفة دالاً على كثرة الري، وكثرة الري دالة على المشرب، وكانت من مفردات اللفظ عامة المعنى، فكان قد أفرد الضمائر باعتبار لفظها تنصيصاً على كل فرد فرد جمع باعتبار المعنى إعلاماً باشتراك جميع أهلها في النعم حال الانفراد والاجتماع فقال :﴿كلوا واشربوا﴾ أي مولى لهم ذلك إشارة إلى أن ذلك لا مانع منه وإلى أنهم يؤمرون به صريحاً دلالة على رضا صاحب الجنة لئلا يتنغص عليهم عيشهم بنوع من الأنواع الموهمة للخطر، وحذف المفعول إيذاناً بالتعميم لئلا يظن أنه يستثني منها شيء فيكون سبب الفتنة كما وقع لآدم صلوات الله وسلامه عليه.


الصفحة التالية
Icon